الأربعاء، 16 فبراير 2011

صورة الأدب المقاوم فى شعر عبد المجيد فرغلى
بقلم / عبد الحافظ بخيت متولى

يقول المتنبى
أكلــما رمت جــيشا فانثنى هربا **** تصرفت بك في آثاره الهمــــمُ
عليك هــــزمهم في كل معتـرك **** و ما عليــك بهم عار إذا انهزموا أما ترى ظفرا حلوا سوى ظفـــر**** تصافحت فيه بيض الهند واللمـــمُ
مدخل
حفلت المكتبة العربية بالعديد من الكتب والدراسات والأبحاث في النقد الأدبي ، وتناول جلـّها تجارب شعراء وقصاصين وروائيين وحقب شعرية ومدارس فنية في الشعر والنثر شرقية وغربية لكنها وللأسف ما تزال شحيحة في الموضوعات التي تتعلق بأدب المقاومة العربية ، وما صدر لحد الآن لا يشكل إلا ّعددا ً قليلاً جدا ً من الكتب لكتّاب يدركون أن الكتابة في هذا الموضوع مسؤولية أخلاقية ووفاء لموقف من أختار أن يعبئ ماسورة بندقيته برصاص الكلام النافذ إلى قلب العدو الغازي والمعتدي الحاقد .
ومن الكتب التي تناولت أدب وثقافة المقاومة العربية :
1 ـ أدب المقاومة في فلسطين المحتلة / للأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني                                                                      
2 ـ الثقافة والمقاومة / للأديب والمفكر الفلسطيني أدوارد سعيد .
3 ـ الموت والحياة في شعر المقاومة / للناقد د . قصي الحسين .
4 ـ الأدب والمقاومة / د . خالد علي مصطفى .
5 ـ ملامح في الأدب المقاوم / د.حسين جمعة .
إن النقد الأدبي يستطيع أن يقدم خدمات جليلة لأدب المقاومة ، ويساهم في ترويجه وتشذيبه وتعزيز مكانته بين الأجيال المتعاقبة من القراء ، وهو قادر على تحفيز الشعراء الشباب المقاومين ممن يستحقون لقب (شاعر مقاومة ) ويقدمهم للقارئ العربي بامتياز مما يدفع بهم قدما ً إلى أمام ، كما أن عمليتي الرصد والتوثيق للأدب المقاوم مهمة تاريخية في غاية السمو ولا يقدر على إجادة التقديم فيها إلا من اتسم بالفكر النير والعلمية والموضوعية من نقادنا العرب                                                                           
يقول الأديب والمفكر العربي الراحل أدوارد سعيد « لم أستطع أن أعيش حياة ً ساكنة أو غير ملتزمة ، ولم أتردد في إعلان انتمائي والتزامي بواحدة من أقل القضايا شعبية على الإطلاق « أجل فقضية مناهضة الإستعمار والاحتلال ، والمقاومة بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة ليست قضية مربحة لأن المستفيد الوحيد منها هم أبناء الشعب الفلسطيني وليس تجار الحروب أو سماسرة السلاح ، كما أن المقاومة (تضحية من أجل الآخر الذي لا نراه ) كما يقول الشاعر ناظم حكمت ، لكن الربح الحقيقي فيها هو أن يربح الإنسان المقاوم نفسه ، ثم شرف كتابة اسمه بماء الشمس على لوحة السماء ليتألق كنجمة في مساء الصيف تراه الدنيا بكل بهاء وجلاء                                                .
وتؤكد أدبيات التاريخ الإنساني وتجاربه أن الأدب والفنون رافقا الإنسان طوال تاريخه الحربى ويمكن أن يقسم دور الأدب المقاوم في الدعم والمساندة إلى ثلاثة أقسام: ما قبل المعارك، أثناء المعارك، ما بعد المعارك، ولكل منها ملامحها وخصائصها الفكرية والفنية والتى يمكن إجمالها (غالبا) فى تلك العناصر "الدعوة إلى استرداد الحقوق المغتصبة" الدعوة للجهاد، الحنين إلى الديار والوطن، الدعوة إلى قيم العدل والإصلاح، التغني بالبطل والانتصار كما أن (البكائيات) تعد ضمن عناصر تناولت أدب المقاومة وإبداعاته وهو ما نلاحظه فى الإنتاج الأدبي خلال فترة انهيار الدولة الإسلامية فى الأندلس مع الدعوة للثأر والبحث عن البطل والبطولة وطلب النجدة.
ولمواجهة ثقافة الفتنة والاستسلام التي تنتشر اليوم في بلادنا العربية لابد من تبني ثقافة وأدب المقاومة قبل الحروب العسكرية فلقد أصبحت ثقافة وأدب المقاومة ذات دور وقائي أي يمكنه أن يعمل قبل بدء المعارك ويعتبر أدب المقاومة الآن أكثر أهمية من أى وقت مضى حيث أنه هو الكلمة الحرة المؤثرة التى تبحث عن الأسباب ولا تبرر الخطأ بل تدعو إلى تحضير الذات فى مواجهة الآخر العدوانى فتكثر الأمثلة وتتعدد الآراء ووجهات النظر ويبقى أدب المقاومة دوما خير معبر عن محاولة الإنسان منذ قديم الزمان وحتى الآن ليبقى صوت الحق فى مواجهة الباطل بكافة الوسائل المتاحة ليس بتعزيز القدرة على مواجهة الآخر فقط ولكن بتعزيز الذات (الجمعية) وتعظيم عناصر قوتها في مواجهة هذا الآخر المعتدي.
وإذا ما ترجمنا هذه المعاني علي واقعنا العربي والإسلامي اليوم، نجد أن دعاة الفتنة المذهبية والسياسية هم أنفسهم دعاة الاستسلام والتحالف الضمني مع مشروع الهيمنة الأمريكي الصهيوني، وإن تخفوا تحت عباءات مضللة أو احتموا بلافتات كاذبة مثل حماية ورعاية المقدسات، إننا أمام مشروع واحد في الواقع، مشروع للفتنة والقبول بالهيمنة في الوقت ذاته، ومثل هذا المشروع لا يمكن مواجهته دونما امتلاك مشروع مضاد، ونحسب أن مشروع المقاومة بثقافاتها وآدابها وإعلامها هو وحده القادر علي ذلك، وهو الأكثر تماساً مع هوية الأمة وتاريخها ومصالحها، ومن الواجب الشرعي قبل السياسي علي دعاة المقاومة وحماتها من النخبة السياسية والثقافية في بلادنا أن يتبنوا هذا المشروع ويدعوا إليه إذا كانوا بالفعل جادين في مواجهة كارثة المشروع الأمريكي/ الصهيوني وتابعيه من دعاة الفتنة في أمتنا
تعدّدت الأنماط الشعرية في الأدب المعاصر، وبرزت أنماط جديدة غير تلك التي كانت معهودة عند الشعراء في العصور السالفة، وإن أبرز تلك الأنماط الشعرية في الأدب المعاصر هو ما يُسمّى الأدب المقاوم.
والشعر الذي هو أحد مفردات الأدب المعاصر، يعتبر بطبيعته ثورياًَ إذا ما قيس بمفردات الأدب الأخرى كالقصة والرواية والمسرح، وغيرها من المفردات الأدبية الأخرى، إذ القافية عادة ما تلتهب عند الشاعر عصريةّ كانت هذه القافية أو كلاسيكية، فالأسلوب لا يحدّ من الانفجار الهائل في الأبيات الشعرية المعاصرة، حيث يتحكّم الشاعر فيها بأسلوب فنيّ وبلاغي مُطَعّمٍ بثقافته المتنوّعة ليصوغ من حروف وحيه الشعريّ الممزوج بالوعي الفكريّ أو السياسيّ أو الاجتماعيّ أو حتى العلميّ ما نسمّيه بعد ذلك بالقصيدة مختلفة في الشكل والمضمونوتختلف القصيدة المقاومة كنمط برز في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي على أيدي بعض الشعراء الفلسطينين من أمثال محمود درويش ، وسميح القاسم، وفدوى طوقان وغيرهم من الشعراء الذين أسسوا مثل هذا النوع من القصيد، تختلف عن بقيّة أخواتها من القصائد الأخرى بأنّ ركيزتها الأولى هو عنصر المقاومة، حيث يستشرف الشاعر من خلالها مستقبل القضية من دون الوقوع في مستنقع ( الأيدلوجية ) لتُبقى القصيدة على عنصر التشويق والتدفّق الشعريّ والجمال الأدبي الراقي والعفويّ والفطريّ والوحدة العضوية التي يُنادي بها كثير من النقاد اليوم، إلا أنها تُهرّب عبر حدودها المفتوحة وعياّ حقيقياً لمسارات القضية السياسية ليتلقّاها المتلقي عبر اللاوعي  بسبب جماليات الأبيات واتساقها ونضارة مداركها، ولُطف معا                                                                                        
لذا يلجأ الشاعر في القصيدة المقاومة إلى إبراز ما يستشعره وما يؤمن به من أفكار وما يُحسّه هو من اضطهاد وظلم وألم متكئاً على عنصر المفاجأة أحياناً وعنصر المفارقة في أحايين كثيرة، مثله مثل الشاعر في القصيدة الأخرى، إلا أن العنصر الثوريّ الكامن في اللفظ النّاري، والحرف الانفجاريّ، والمعنى الحسيّ، والانفعال الذاتيّ، تبرز كلها أمام المتلقي وكأنها أسلحة يريد أن يستخدمها في وجه عدوّه، لكنْ بابتعاد كبير وحذرٍ ومدروس عن المباشرة ، فيصنع من الحرف قُنبلةً، ومن القافية قذيفة، في جوٍّ مقبولٍ ومستساغ من لدن المتلقي الذي يصفّق وبحرارة متقبّلاً لما يتلقّاه ومستزيداً الشاعر للإعادة أو الاستئناف أثناء الإلقاء، أو يعيد قراءة القصيدة عدّة مرات في حال نُشرت القصيدة مكتوبةً.
هذه الحالة المتبادلة بين الشاعر والمتلقّي تدل دلالة واضحة على أن القصيدة المقاومة لا تزال تحتفظ بالوجاهة في الشعر المعاصر، فهي وكما يبدو في تعريفها أنها تختزن في طيّاتها أنموذجاً لموروثٍ حضاريٍّ إذا ما خرجت بعمق وأصالة من ذات الشاعر الواعية لهويته الثقافية، تماماً كما يقول  احد الباحثين في تعريف للشعر المقاوم : (ويمكننا تعريف شعر المقاومة بأنه تلك الحالة التي يعبر فيها الشاعر و بعمق و أصالة عن ذاته الواعية لهويتها الثقافية و المتطلعة إلى حريتها الحقيقية في مواجهة المعتدي في أي صورة من صوره, منطلقا من موروثه الحضاري و قيمه المجتمعية العليا التي يود الحياة في ظلها والعيش من أجلها ) ، لذا ومن هذا المنطلق فإن القصيدة المقاومة تعبّر عن نشوة حقيقية وشعور طافح بالقيم الاجتماعية.
والقصيدة المقاومة تُبنى عادة على الرفض للظالم والمحتلّ في سياق متّزنٍ مليء بالتفاؤل والوعي لما يقال أو يُكتب، وعادة ما تصبُّ في قالبٍ معيّنٍ خليليٍّ أو حديث لا ضير في ذلك إن كانت مضامين هذه القصيدة أو تلك تطفح بمعاني الحريّة، وطلب النصرة، والبحث عن الحق والحقيقة، ومن ثم رفض الظلم بكل صوره، كل هذا يكون في صورة من الموروث القِيمي والأخلاقي المتّسم بالصدق في العاطفة، المتأجّجة المشاعر المتنوّعة الأفكار المتّحدة في السياق الشعري، وبالتالي البعيدة عن التصنّع والتلفيق.
هذه هي القصيدة المقاومة التي ننشدها في ظلّ وجود الانحراف الفكري والعقدي لدى الكثير من الشعراء اليوم الذي يفضّلون التطبيل والتزمير ويُحسنون النفاق البلاغيّ اللامسؤول، زارعين بأيدهم أشواك الندامة ما بين زهور جماليات الحرف، متوغلين في الإسفاف الشعري المقيت الذي لن ينبت يوماً بزيتون الوعي ونخيل الولاء على بستان مستقبل أمّتهم ومجتمعهم.
وفي مبادئها تكمن السِّمات
إن ما يميز الشعر المقاوم أنه يصطف إلى جانب أخوته من أنماط الأدب المقاوم الأخرى، ليرسم لوحة النصر الآتي المشحون بالأمل الذي يُنبئ عن وعْدٍ قادمٍ ينشر مفاهيم الرسالة والانتماء لهذه الأرض المقدسة، وفي ظل يوم القدس العالمي الذي أطلقه الإمام الراحل رصاصةً في قلب العدوّ المحتلّ يمكننا أن نعيد بالقصيدة روح المقاومة ونضمّد ببلسم حروفها الجراح العربية النازفة، وذلك لأن  "الشعر المقاوم" هو الذي يستنهض الأمة من سباتها و يوقظها من نومها العميق, و يعمل على تحريك المشاعر و الأحاسيس وهي مخرجات لا تتأتى إلا بوجود عوامل تحفيز كالاحتلال و الغزو و الاضطهاد الذي تتعرض له الدول و الشعوب
ولئن كانت القصيدة المقاومة في الشعر العربي تتسم بالأصالة والفكر معاً، والتوهّج الثوري، جامعةً في أسلوبها الثرّ كل الميزات الإنسانية، إلا أننا نجد أنه وبعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية وبزوغ نجم الإمام الراحل فإن القصيدة المقاوِمة أخذت أبعاداً أخرى في هذا الشأن وضمّت إلى تلك السمات الراقية سمة التضحية والبحث عن الكرامة المفقودة في سنوات الضياع، إضافة إلى الوعي السياسي المفضي لفتح باب الأمل وكسر طوق الخنوع الذي وضعه الغرب على عاتق الأمة من جرّاء الخوف من أسطورة الجيش الذي لا يُقهر
وهذا ما أعطى للشعر المقاوم الأبعاد الإنسانية التي تجمع أصحاب كل الديانات من العرب تحت مظلة واحدة هي الانتصار الجماعي ومعرفة الأخر من خلال ما يُحسه من اضطهاد وقهر، سواء ما يعود على الفرد أو المجتمع، وهو بذلك يَسُنُّ لنا وللأجيال القادمة طريق العزة والكرامة والإباء.

ملامح الأدب المقاوم عند الشاعر

ويبدو ان كل هذه المفاهيم تجمعت فى شعر الشاعر عبد المجيد فرغلى , ذلك الشاعر الذى وجه خطابه الشعرى وجهة قضايا الوطن واثبت فى هذا الخطاب للقصيدة الثورية مكانتها داخل هذه الخطاب, واستطاع بوعيه السياسى والجمالى ان يشكل من القضايا الملحة أيقونات شعرية ضاربة فى عمق الخطاب فيرصد, قضية الانتفاضة الفلسطينية فى قصيدة "الحجر الغاضب" رصدا شعريا يبتعد عن الخطابة الشعرية ويمتد داخل إطار شعرى كاشف عن الوعى السياسى لدى الشاعر ومختزل المسافة بين الوعى السياسى والوعى الشعر, فهو يقول فى هذه القصيدة
أقوي من النار هذا الثائر الضــجر … لا مدفعا ثار:لاصاروخ:بل حجر
في صرخة من أوار النفس فجرها … شعب به ثورة الاحقاد تنفـــــجر
هي النذير لسحق الظلم عن وطتن … في قلبة غضبة الأجيال تستـــعر
تفجر الغضب المكبوت في دمــــة …. ففي انتفاضة هذا الغاضب الظفر
ثمة قدر من العلامات اللغوية فى هذه الأبيات ينبئ بركيزة يتحرك وفقها الشاعر فى وعيه الباطنى, ثم تتبلور فى اتجاهين متفاعلين ومتكاملين, الأول هو الصياغة الخارجية والتى تمثلت فى خطاب صارخ للشعر يعتمد على ايقاع موسيقى متفجر ينتهى بقافية الراء المضمومة, مما يحول القافية إلى شحنة من غضب فى ايقاعها الحاد, وكأن كل راء مضمومة هى ضرخة بروح الانفاضة, والآخر هو المساحة الدلالية لهذه اللقطة الشاعرة التى تمجد الحجر بوصفة علامة بارزة فى تاريخ المقاومة الفلسطينية, وتعلى من قيمة الحجر على البندقية وتجعلها نذير انفجار أكبر فى رسالة يبعث بها الشاعر إلى العدو
ونحن حين نسعى للربط بين وعى الشاعر واختياراته اللغوية, إنما نريد أن نقدم مفاتيح البؤرة الدلالية الكبرى فى النص وهى الدعوة إلى الثورة والغضب, والتى استدعت طبيعة هذه البؤرة فى النص كله إحياء بعض المفردات من خلال تكرارها والتركيز عليها مثل مفردة " الغضب" ومفردة" الحجر" التى احتل كل منهما مساحة كبيرة فى النص بأشكال وسياقات لغوية مختلفة, مما يؤكد حضور الوعى السياسى الدافع إلى المقاومة ويدفع إلى اتساع الرؤيا السياسية عند الشاعر
ولذلك لاتمل هذه القصيدة تذكر بقضية فلسطين, وتنذر العالم كله بما يحمل وعى الشاعر من ثورة وغضب حيث يقول الشاعر فى ذات القصيدة:
نقول للعالم المعصوب أعينـــة … أتنظرون:أم أستغشي لكم بصر؟
جرائم الغاصب الباغي تطالعكم … من أرضنا وبوقر مسكم خــــــدر
تلك الحقيقة يرويها لكم وطـني … مما يعاني:ألم يبلغ بها خــــــــبر؟
قضيتي بين عين الكون ماثـــلة … وللفظائع يدمي القلب والنــــــظر
أتنصفون كفاحي :أم أحملكــــــم .. عواقب الصمت شعبي بات ينتحر؟
أتنصرون نضالي ضد مغتصبي … أم أشعل النار في الدنيا ولي عذر؟
ان تنصفوني تقم للسلم قائمـــة … أم تضرم الحرب لاتبقي ولا تــــــذر
وهنا توقظ القصيدة الهاجس الحقيقى للثورة والغضب ,وهو أولى بنا أن نوجه أنظار العالم اليه, وبخاصة القوى المساندة للعدو الصهيونى بما فى ذلك المزج بين صوت الشاعر وصوت الآخرين من خلال التنويع فى توظيف ضميرى المتكلم المفرد والمتكلم الجمع وضمير الغائب, فى إشارة إلى ضرورة أن نحمل نحن نفس رسالة الشاعر فى المقاومة, وهذ التوظيف استطاع الشاعر أن يمزج الماضى بالحاضر ليصنع صوتا متفردا للمستقبل الذى يراهن على الثورة والغضب وهو الرهان الاخير والوحيد كما يروى الشاعر " أتنصرون نضالى ضد مغتصبى أم أشعل الناتر فى الدنيا ولى عذر"
ولا يصيب اليأس نفس الشاعر, ولا يهدأ صوته فى سبيل التحريض على المقاومة حيث يقول:
أخى صار حقا علينا الفــدا.. وحق الجهاد: لقهر العــــــدى
فقد جاوزوا الحد فى جورهم.. وفى ظلمهم: قد تعدوا العدى
أتو بالذى فاق حد الخيـــــــــــال ..مذابح قتل: وجرم إعتـــــــــــــدا

والشاعر فى خطاب الآخر القريب هنا يستنهض الهمة, ويدفع إلى فعل المقاومة فهو يقدم الخطاب ويعلى من مبرراته فى محاولة منه للاقناع بضرورة جهاد العدو وكسر شوكته, ولذلك فهو يضخم صورة العدو للتحرض عليه حين يقول:" أتوا بالذى فاق حد الخيال مذابح قتل وجرم اعتدى" ولذلك فهذه القصيدة التى عارض فيها أبا القاسم الشابى تمثل إشارات تنضح بالألم والتحدى, وتدفع إلى الثورة والتحريض إثر محنة احتلال الكيان الصهيونى الأرض العربية وجراحات العرب المادية والفكرية
وفى قصيدة "ملحمة القدس" يتسع الخطاب ليشمل دوائر أخرى تستخدم مفردات الطبيعة المقرونة بالجمال, لتتحول هذه المفردات فى السياق النصى للقصيدة إلى مفردات اتخذت صور الخوف والفزع والقبح حيث يقول الشاعر:
وَقَد قَطَعُوْا غُصْن طَيْر الْسَّلَام .. وَطَيْر الْرِّبِّي فَر أَو سُـــهْدَا
أَمَّا قَطَعُوْا الْلَّحْن مِن دَوْحِــــه .. فَمَن غُصْنُه الْطَّيْر مَا غَرِدَا ؟
أَحَس الْفَجِيْعَة تُدْمِي الْفــــُؤَاد .. وَتَعْتَصِر الْكَبِد الْأَمــــــــــْرَدَا
فَجِيْعَة شَعْب عَلَي أَرْضِـــــــــه.. بِه الْخَصْم نَكَل أَو شـــــــَرَدَا
وَلِلْقُدْس أَخْرَس طَيــــْر الْأَذَان .. فَمَا صَاح فِي الْفَجْر أَو غَرَّدَا
فالغصن والطير واللحن والدوح انزاحت من معطاها الجمالى فى الطبيعة إلى معطى آخر قصده الشاعر قصدا, لا من باب التسجيل والسرد, وإنما من باب تثوير النص والدفع إلى المقاومة ,من خلال التأثير النفسى فى المتلقى, وهذه الصور المجازية لمفردات الطبيعة ترتقى لتغدو لوحة رمزية متوهجة للموقف المعاصر من التخاذل تجاه القضية الفلسطينية, واطراف الصراع حتى إنه يقرن هذه القضية بالفجيعة والتنكيل والطير الأخرس وغير ذلك, مما يختزل المسافة بين الرمزية والدلالة
ويبدو أن التفاعل بين الشاعر والشعر المقاوم يتسع إلى حد يؤكد على حضور طاغ  لمعنى المقاومة فى نصوص الشاعر, وامتزاج هذا المعنى بروحه ووعيه ويمكن ان نستدل على ذلك من هذا المقطع الذى يقول فيه الشاعر
سَنْسْحَقَهُم بِيَد مَن فِـــــــــــــدَاء .. تُدَمِّر أَطْمَاعَهُم مَقْصــــــــِدَا
سَنَمْضِي الَي الْنَّصْر مُسْتَبْسِلِين .. وَلَن نَّتْرُك الْجَمْر أَن يَبــــْرُدَا
سنَّرْدي الْقِلَاع وَنُغَشي الْتِّــــلْاع .. وَنَطْوِي الْشِّرَاع ..وَأَن نْفَردّا
وَنَبْلُغ مِن زَحَفْنَا شَــــــــــــــأْوُه .. نَشِق الْفَلَا فَدْفَدَا .. فَدْفَــــــــدَا
بِبَحْر الْصِّرَاع نَخُوْض الْغِمَــــار .. وَلَن نُقْبِل الْعَار مُسْتَعْبــــــــــــَدَا
فحينما نقرأ هذا المقطع نشعر أن القيمة التعبيرية للنص تكمن فى هذا الصوت المرتفع الحاسم فى رسم دوائر المستقبل الممزوجة بالنصر, من خلال قوة الدفع الإنسانية والعسكرية التى ستسحق العدو لا محالة, وتدمر أطماعة ساعية الى تحقيق نصر مؤكد يمحو عار احتلال الأرض, ولذلك جاء تكرار حرف " السين" ليعطى إشارة واضحة على مسقبل محدد لا بديل عنه وهو النصر وهزيمة العدو, و هذا التكرار أيضا دليل على تأصل هذا المعنى فى وعى الشاعر ورغبته الشديدة فى إعلاء قيمة المقاومة عند كل فرد من أفراد الأمه, وهذا ما دفعه إلى استخدام ضمير الجمع فى دعم قيمة التكرار وحركته على المستوى الشعرى الجمالى والمستوى الدلالى
وفى قصيدة " بلا مستوطنات"
أَرْضِنَا الْعَرَض الَّذِي نُفْنِي .. وَإِن مُتْنَا ظِـــــــــــــلّا
نَحْن مَازِلْنَا أَوَّل بــــــــَأْس .. وَعَزَم لَن يَقْـــــــــــلِا
أَرْضِنَا لَيْسَت مَجـــــــــــَالَا .. فِيْه نُرْضِي الْيَوْم قَوْلَا
حَبَّة الْرَّمْل بـــــــــــــــِرُوْح .. وَهِي فِي الْتَّقْدِيْر أُغْلِي
أَيُّهَا الْزَّاعِم أَنـــــــــــــــــــَا .. مَلَلْنَا الْحَرْب كـــــــــَلَّا
نَحْن فِيْهَا قَد وُلِدْنَـــــــــــــا .. مُنْذ مَاضِيْنَا اسْتَهِـــــلّا
نَحْن جُنْد الْعَرَب دَوْمَــــــــا .. نُقْهَر الْخَصْم المـــــُدَلا
مَا فِلَسْطِيْن لِبــــــــــــــــَاغ .. سَام بَاغِي الْسَّلَم قَتـــْلَا
أَيُّهَا الْقَاتِل عَمــــــــــــــــْدا .. إِخْوَتِي شَيْخا وَطِفْـــــلَا
وَفَتَاة الْخِدْر أُخْتــــــــــــــِي .. وَمَذِيق الْأُم ثُكــــــــــْلَا
هنا يدخل الشاعر دوائر أخرى فى الادب المقاوم حيث يساوى بين الارض والعرض فى القيمة الانسانية والرمزية, وبناء على هذا الخطاب يتأسس النص على الثورة والتفجر فى وعى المتلقى ,فكل حبة رمل بروح بل هى أغلى, وهنا يزواج الشاعر بين خطابين: خطاب الآخر القريب الذى يحرص على دفعه إلى المقاومة من خلال استدعاء الذاكرة الجمعية  للمورورث الشعبى الذى يجعل الأرض مثل العرض متكئا أيضا على ضمير الجمع فى الخطاب, وفى هذا المستوى يبدو الإيقاع الشعرى هادئا متوازنا, والمستوى الثانى خطاب الآخر الغاصب الذى يروم الشاعر إلى تخويفه وتهديده مخاطبا إياه بيا أيها الزاعم, ويعلو الخطاب الشعرى هنا بقدر ما تحمل الذات الشاعرة من غضب مستدعيا أيضا تاريخ الأمجاد العربية القديمة من الانتصارات والفتوحات التى استدعاها الموقف الفكرى والنفسى عند الشاعر " نحن جند العرب دوما نقهر الخصم المدلا", ولا شك أن  التركيب الخبرى هنا أكد هذا المعنى بما يحمل من خصائص تقريرية وتوكيدية, وتعمل على تقاطع خطوط رحلة الازمنة والوجوه التاريخية والبقاع الممتدة معها أنفاس القضايا العربية,
ويستخدم الشاعر طاقة التاريخى فى تدعيم الخطاب الشعرى المقاوم حين يستدعى صلاح الدين ذلك الرمز التاريخى المقترن بالقدس فى أذهان الوعى الجمعى, ولكن الاستدعاء هنا لم يكن استدعاء استصراخ  لصلاح الدين بقدر ما كان استدعاء استنهاض  لهذة الأمة العاجزة عن أن تقاوم عدوها وذلك حيث يقول:
تحرك صلاح فحطين أخرى.. تناديك والسابقين افتـدا
وقدسك بين شباك العـــــداه.. أسنوا الشفار لها والمدى
ولعل هذا الاستصراخ الضدى عند الشاعر ينبئ بتغيرات الأيام واستشراف مستقبل تتحرر فيه القدس بفعل المقاومة الصادقة, وهذا ما يبرر استدعاء الاشفار والمدى والشباك للتاثير فى واعية المتلقى
وفى قصيدة " وتبقى فلسطين" يأتى السياق المشهدى الذى ينادى العرب بشكل مباشر ويدفعهم إلى المقاومة ومساندة فلسطين,  وإن كان يبدو سياق القصيدة فى ظاهره سياق مودة  الا انها تضمر فى باطنها مفاتيح الثورة والغضب حيث يقول
فَيَا جِيْرَة مِن بَنِي يَعْـــــرُب .. فِلَسْطِيْن مَدُّوْا الَيْهَا الْيـــــَدَا
وَكُوْنُوْا حَمَاة لَأَرْض لَهَــــا … تَصُن أَرْضِهَا وَتَوَقِّي أَعْتَدَا
فَفِي ضَفَّة غَرْب أَرْدُنِهـــــــا .. وَقَلْقِيلِيا وَجَنِيْن الْفِـــــــــــدْي
اذَا الْصَّوْت صَاح قَوِيّا فَدَيْت .. أَجَاب الْصَّدِي الْصَّوْت أَو رَدَّدَا
وهنا ياتى الشاعر بما يعرف بالتدرج فى الخطاب من المودة إلى الثورة حتى يصل إلى التجريد الثورى فى خطابه" فإذا الصوت صاح قويا فديت أجاب الصدى الصوت أو رددا" وهنا تتحول الصورة الأليفة فى خطاب الأخوة العرب الى الغرابة فى تهيئة الأجواء المأسوية للخطاب الدال على تحميل الوعى الباطن للشاعر بالمقاومة والسيطرة عليه
ثم ينتقل الشاعر إلى القضايا السياسية أيضا حين يصف شارون وأفعاله المستمدة من تاريخ اليهود القديم فى إشارة منه إلى أن القوة هى الفاعلة مع اليهود على مر التاريخ وهى الخيار الوحيد لتحقيق النصر وذلك حيث يقول:
أشارون يا عجل ذا السامرى.. خسئت خوراً وخاب الصدى
وما كان شارون إلا كبــــــان.. لقـوم له القبـر والملحــــــدا
وحين يساوى الشاعر بين شارون وعجل السامرى, فإن هذا التوازى فضلا عن أنه يختزل التاريخ يمتد إلى السخرية والتهكم من أفعال شارون التى لا تخرج عن كونها أفعال حيوان لا يعقل ولا يعى وما مصيره هو وقومه الا القبور من خلا ما يبنون من مستوطنات سوف يدفنون فيها, وهنا يراهن الشاعر على ان ينسرب هذا الموقف الى كل انسان يعى الواقع السياسى ويدرك ابعاده فيضعه امام خيار واحد هو خيار المقاومة الذى لابديل عنه

وفى قصيدة "رثاء عبد الناصر"
يستدعى سياق الرثاء من ذاكرة الشاعر هذه اللمحة التى تعرى الواقع وتكشف عن تردى العرب تجاه قضاياهم الوطنية والسياسية فى مشهد شعرى باك اعتمد على استفهام شجنى حيث يقول الشاعر
من للحياري التائهين؟ .. علي بديد مراقـــــــــد؟
وقنابل "النابلـــــــــم" .. تمطرهم بموت حاصد
والموقف العربـــــــــي .. بين تخاذل وتقاعــــــد
متأجج الجنبــــــــــــات .. بين تفكك وتباعــــــــد
من مستهين بالأمــــور .. وذي شعور بـــــــــارد
وتبدو مرجعية الشاعر هنا عمقه السياسى وقراءته الثاقبة للواقع المهزوم اللاهى عن قنابل النابلم التى تمطر الحيارى التائهين  العاجزين بفعل التخاذل العربى هنا يأتى الاستفهام الشجنى الذى تأسس عليه هذا المشهد محفزا على التعاطف والثورة والمقاومة ومبررا شرعية هذه المقاومة
من هنا نستطيع أن نحدد ملامح أدب المقاومة عند الشاعر عبد المجيد فرغلى من حيث التنويع بين التسجيل والتقرير والرصد والمزج بين التاريخى والواقعى والاعتمدا على الاسلوب المشهدى فى رسم ملامح العدو ويؤسس لفاتحة دالة على الحزن العميق ووصف الحالة التي آلت إليها الأوضاع في فلسطين, وتمهد لانفتاح النص على خطاب ذاتي وتاريخي واجتماعي يصف الحالة ويؤكد على عمق المأساة, مستخدما مفردات المقاومة  من مثل ´القتل / الارهاب/ الأرض /  العرض  وغير ذلك" بما يشير إلى أن الشاعر يؤكد شعرية الحالة ووجوديتها في آن، ويكشف عن علاقة القصيد بالواقع المنهار ومن خلال النصوص يكشف(العنصر الذاتي) بموضوعية في شكل منطقٍ شعري/ خصوصي/ يتجه نحو الإنسان ونحو الأفكار في آن واحد , وتكمن تأويليته في دنوها الواضح من المتلقي، بلا ترميز غامض، وكأن نصوصه بقدر ما تكشف، تحكي، وتؤكد، امتداداً وفضاءً مفتوحاً لفعل المقاومة، والدافعة في ذات الوقت نحو الحالات التي ترصدها النصوص
فيجوس الشاعر في الذات، ثم يوصف المكان المهزوم من خلال انطباع ذاتي.. مأساوى, لذا يدخل منطقة الموضوعي شعراً، كضرورة، يعتقدها لازمة في إيضاح  ويلاحظ أيضا الفهم لصياغته الشعرية ، مستبعداً الاحتمالية أو التأويلية وإنما يضعنا مباشرة أمام التاريخ والجغرافيا حتى يدفعنا إلى المقاومة من خلال نصوصه الشعرية, حتى إن النصوص عنده تتحول إلى لوحات من(طبيعة): بشرية/ وحياتية، واختلاجات، تتراتب جملة، جملة، ومقطعاً مقطعاً، بقصيدة طويل تزيد على المائة بيت فى كثير من نصوصه التى تعرضت للمقاومة- كأنها كتلة لهب- ذات إيقاعات جمالية مساعدة، ورؤي، وقص..، قصيدة مديدة، وتلك هي تحكمية آلية الكتابة لدى الشاعر فشعره لا ينفلت عنه، بل يصاغ بوعي موضوعي حيث تجد تلك القرابة المتلازمة بين جملة وأخرى وبين مفردة وأخرى في تعالق نصي عجيب تفضى كل مفردة إلى أخرى في تشكيل حجم المأساة
 وهكذا يستمر الشاعر في كشف منطقة اشتغاله(الشعري/ النوعي/ الخصومي) عبر ثنائية العنصر الذاتي والموضوعى هو- دائماً- ظرف الخطاب ووجهتة
والشاعر فى نصوصه، لا يسعى إلى"زيادة القول" بل يقربها إلى ذاكرة الحاضر مستبقاً الكمال، وتحريك الإرادة القوية على نصرة أهله، مرات في الشعور بالخيبة والأسى، ومرات بتساؤلية تدفع ميزات النص إلى الظهور الواضح، عبر مزدوجات ثنائية: (الموت أوالحياة) ليفتح بذلك وعيا جديدا في تلقى نصوص الحالة الشعرية الواقفة عند حد الوطن بما تحمل من ميزات جمالية وإيقاع موسيقى هادر يناسب وطبيعة الفوران الشعري في الحالة المقاومة ,ولغة صاخبة معظم حروفها مفخمة كاشفة عن بركان الثورة في الذات الشاعرة , هنا يبدو الجرح جرحين جرح الشعر وجرح المتلقي في دائرة شعرية توصف بالجمال والثورة فى ظل ادب المقاومة الذى ينشده الشاعر من هذه النصوص






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق