الأربعاء، 16 فبراير 2011

ايها العابرون

 
أيها العابرون الأرض إلى بلاد
دفنت القلب طرا فى فيافيها
مروا حاديكم يردد همس أغنيتى
ويرسل الأشعار جهرا على قوافيها
دعوه يحمل أخباري لها سلفا
قبل انطفاء الكرى فى عين واديها
كم ادخرت لها شعرا بلا غسق
صبحا وليلا أفصله قلبا يدفيها
اسكنتها فى زوايا القلب عاكفة
ظلت الزوايا فى شوق تناجيها
من أى شُباك أنثى رُدَّ لى بصرى
وهوالمصنّف فى أبواب ناعيها
لى ما وراء الضنى أوتار أغنية
ولها فى الكرى موج شواطيها
كمية اللوم فى قلبى لم تزل
تنضج العتب الأحوى على فيها
وكنت قاب احتراق الشوق عن مُقَلٍ
توريه دمعا ونار الحب توريها
أقضى بعينى شوكا كلما ظفرت
بالبال تميمة أحزان تواسيها
يامن عبرتم إلى بلادها فجرا
أخبروا الغسق عنى قصة أرويها
أصبحت فى مهب الآه زفرتى
والوجد فى القلب مازال يناجيها

انتظار /

"1"
وكنتُ انتظرتُكِ وجهَ النهارْ
أغيب قليلا ً .. وأصحو قليلا 
وفي داخلي: 
بين ثلج ارتقابي 
ونارِ انتظاركِ 
ثار الشجارْ 
فأواه لو تعلمين 
وأواه لو تسبحين مع الدم 
في لحظة الانفجارْ 
فيا ليت كل التي واعَدَتْ عاشقاً 
جربتْ الانتظارْ! 
"2"
وكنت انتظرتك بالليلِ 
- مذبحة العاشقين! -
طويلا.. طويلا 
فقال لي الليل:
- صِفْها 
- لعليَ آتيك منها. 
ببعض ابتساماتها 
قلت يا ليل: 
- سلْ 
قال: ما طبعها؟ 
قلت: كالشمس دفئا 
وكالبحر موجاً غضوباً ولُجَّا 
وكالعطر إن ضاع بين القُبَلْ 
قال: ما لونها؟ 
قلت: لا أتذكر غير غيابي
وغير انسيابي مع الشَّعْر 
في لفتة الجيد في لحظات الخجلْ 
قال لي: ما اسمها؟ 
قلت: من باح زل، ومن زل ضل! 
"3"
وصفتك للّيلِ:
فَرْحًا وجُرْحًا 
وقدا ورمحا 
ونفحاً ولفحا 
وعينين للسحر ضخاختينِ 
وكفين بالدفء نضاحتينِ 
وخصرًا..
إذا رام بعض التثني
يغني 
وصفتكِ بين الرضا والتجني 
وصفتكِ بين يقيني وظني 
وبين انتظاري وبين التمنى 
وشيئا فشيئا 
تسربْت بين دموعي وبيني 
فما عدت أعرف 
إن كنت أبكي أسًى أم أغني!!

حين يملنى البحر
1.    هامش

تقول عصفورتى:


أى الأعضان استهوتك
لتستريح عليه
أنا ياعصفورتى كل الغصون
سواكِ هشيم لكنك
ألقيت بغصنى فى الجحيم""


متن
قال لى القطار
حين راودته عن سفر
البحر الذى اشتهاك ملّك
والرمال التى أحنت لك
حنّت لغيرك
بعثرت سرك على قارعة الطريق
واستباحت فى الهوى دمّك
فاخلع نعليك وخضب
برملك قدمك
فعصفورتك حين حطت على الغصن
حطت على أغصان غيرك
لا دفء شموس مراوغة يحيي القلب
سوى دفئك
***
قال لى النهر
حين راودته عن نسمة
لا نسائم اليوم تشفى غُلّك
وخرائط الغرام
أفناها الجَذْرُ حين تخلى
عن مَدّك
بالسر ما مَدّك
لكنه على طاولة القلب الخئون
مَدّك
لتشقى باللظى من جرح
مُدّك
عصفورتك غنت لكل الطيور حين
شَدَت لقلبك
***
غرد على أغصانك
واشرب كأس لظى حزنك
وحدّك
فكم شربت الكأس
وجرَّعته القلب
ما ملّك
فيا قلب دع بريق العيون الخائنات
ففى دوار النهر لا بد
تلقى حتفك
***
ختام
انا يا عصفورتى أرضى قاحلة
وغصنى بعد احتراقه
أضحى هشيما
فأى الهشيم تتشهين أى ؟
ما كان للنهر براءة الطهر
حين ألقى بشباكه علىّ
خُدعت فيك يا نهر فارحم دمع
عينىّ

بينى وبين عينيك

بينى وبين عينيك لغة
وحوار جميل
أى بحر تجلى بعينيك
و أعرف أن البحار
تكتم أسرارها
غير أن النوارس
فضَّاحة
لاخضرار الحكايات
والأشرعة مترعة بقيثارة
عينيك
***
ودعينى
ففى لغتى
يهدر الحزن موجا
وتحترس الكلمات الأليفة
من بريق العيون
وأغادره
لضفاف الحديث
الموزع بين المرايا
وقد تفهمين إشاراته الخاطفة
وترحلين
***
ودعينى
ففى سلتى برتقال النجوم
اتشحت بعينيك
وهذى سماء يبللها
ندى الحزن فى عينيك
لملمى براق دمى
ومعارج أحلامنا الخائفة
واشعلى لحوار العيون
وبرق فراشاتها
شمعة واحرقينى فى عينيك

العزف على وتر الحزن
قراءة فى ديوانى" على ابو سراج وابو زيد بيومى"
1-حالات على أبو سراج

يضم هذا الديوان ثلاث عشرة قصيدة تقع بين سبع وستين صفحة من القطع المتوسط ويختزل الشاعر موضوع خطابه الشعري في هذا الديوان في هذا العنوان المكثف "حالات" الذي اختاره بوابة شرعية للولوج في الديوان هو عنوان مرواغ ينفتح على أكثر من دلالة في حالات الروح وحالات الذات الشاعرة وحالات الوطن وحالات عدم التوافق بين الذات والواقع وحالات القصيدة في مسيرتها الشعرية وتشكيلاتها اللغوية والجمالية ولكن الراصد لهذه الحالات داخل الديوان يكتشف أن نصوص الديوان مجموعة من الحالات الشعرية ذات أبعاد ذاتية وروحية واجتماعية وسياسية
والملمح الرئيس في هذا الديوان هو ملمح الحزن هذا الحزن وليد حالات التصادم وعدم التوافق مع الواقع من ناحية ومن ناحية أخرى فهو حزن مفتوح على الكون كله حزن وليد الحيرة في فهم هذا الكون المجهول وأسراره الغمضة وفى فهم وضع الانسان فيه ففي قصيدة " ماتحبكهاش" يبدو الشاعر حاملا لهذا الحزن الوجودي القلق
يوووه / اما انا ملعون /دا انا زى ما اكون / مسئول عن حال الناس / والكون
فالحزن هنا حالة انبعاث من نفس الشاعر الذي يحمل هموم الكون ويعجز عن تفسيره وإذا توقفنا إمام مفردة " يوووه" التي تكرر فيها حرف الواو لمناسبة خروج النفس العميق الكاشف عن كم الحزن الكامن في النفس فإننا نكتشف أن هذا الحزن هو الذي دفع الذات الشاعرة إلى الانشطار النفسي وتحولها إلى موقف الواجهة بين ذاتين واحدة تريد الخضوع والأخرى تقف موقف الضد في مقابلة فنية صنعها الشاعر ويبدو ان الشاعر كان مدركا لهذا منذ بداية النص فقد جاء الاستهلال معلنا عن هذه المفارقة
مش طايق نفسى / نفسى اتحرر منها / واعيش درويش / او اروح وما جيش لا يحوشنى طريق / ولا باب ولا شيش
وهذا الاستهلال هو بيت القصيد في هذا النص وهو التفسير الموضوعي لهذه الازدواجية التي دفعت الشاعر إلى استخدام تقنية " المونولوج" الداخلي والكاشف عن البعد الانسانى الشفيف في الدات المحملة بالحزن الرافضة لتفسخ هذا الواقع والمعلنة تمردها عليه والتي انتصر لها الشاعر في نهاية القصيدة في مقابل الذات الأخرى
انا كارهك / مش عايز من وشك / حاجة
وعلى نفس هذا الوتر العازف لحنا حزينا والقائم على الحوار الداخلي تأتى قصيدة " مذنب" حالة إنسانية أخرى تفارق بين عالم الكبار وما يحتوى من فساد ممثلا في شخصية الأب وعالم الصغار وما يحتوى من براء وطهر ممثلا في شخصية البن الطفل وتقيم حوارا من طرف واحد بين الشاعر وابنه إسلام مازجة بين هذين العالمين حتى يستحيل الفصل بينهما والشاعر في هذا النص يقدم نفسه لابنه في صورة متهم جنى على هذا الابن حين احضره إلى الحياة وربما كانت حاضرة في ذهنه مقولة أبى العلاء " هذا ما جناه ابى على وما جنيته على احد" يقول الشاعر مؤكدا على ذلك
انا شفت فى عنيك اتهام / ودبحنى جنونك فى البكا / هدد كيان الروح / وزلزل مهجتى / صبحت حطام / والحق معاك /
والشاعر يحاول أن يبرر هذا الاتهام فيخدعنا حين يوهمنا أن الحديث إلى ابنه إسلام ولكنها محاولة في إن يرفع عن كاهله نير ما تعلق بها من خوف وقلق روحي على مستقبل هذا الوليد وهو الذي يعرف أن المستقبل مظلم ولن يحقق ابنه السعادة وعجزه عن أن يصنع لإسلام هذا مستقبل آمن فيأتي النص مناجاة روحية وصراخ بصوت عال
ابكى من خوفى عليك / ح تقابل بكره ازاى؟
ولذلك لم يكن الاعتراف بالخطأ في إنجاب الابن عملا مجانيا وإنما هو مكاشفة الشاعر لنفسة ومواجهة النفس بالتقصير والعجز
غلطان / وعرفت بغلطتى وندمان /انا كنت انانى وعميان/وجريت ورا نفسى الامارة / ف ظلمتك /جبتك بالغصب /للدنيا القاسية الجباره
وهنا تبدو القصيدة أكثر التصاقا بذات الشاعر وكأنها نحتت من روحه فتأتى الجمل الشعرية متلاحقة كأنها اللهاث واختار الشاعر روى الراء وقافية الهاء الساكنة فكانت كل قافية زفرة الم تخرج من روح الشاعر والغريب أن الشاعر في هذا النص أن الشاعر يخالف الفطرة الانسانية في علاقة الآباء بالأبناء أو الأطفال فلقد فطرت الإنسانية في أقسى حالات الألم على استقبال الأطفال بهالات الفرح حتى إن منهم من يرى أن مداعبة الأطفال فيها تخفيف عن الروح لأنها هروب إلى عالم البراءة المفتقد بيد أن الشاعر يكسر هذه القوانين حين يناغى هذا الوليد بهذا الكم من المرارة والحزن وذلك إنما لكونه شاعر متمرد كشأن الشعراء جميعا على التقاليد المتوارثة في التعامل مع نواميس الحياة ومن منها كان هذا الموقف الذي تولد عنه رغبته في ان يرسم حدود المستقبل لابنه وان يضع له الخطوط العريضة التي يسير عليها حتى يضمن المستقبل
اسلام / لو عايز تنفد بحياتك / وتقضى يومينك بسلام / اتعلق باللى يحبوك / واستغنى يمكن تديلك / اتعفف/ واقبض على دينك / وفى حلمك خليك معقول
وكان الشاعر هنا يوقف آلة الزمن عند فهمه هو للحياة ناسيا أن الظرف التاريخي حين يتغير يتبعه تغير شامل في نواميس الحياة ومنها الذات الإنسانية فإنسان الأمس يختلف عن إنسان اليوم برغم قراءته لكل وصايا الآباء والأجداد وان حاول الشاعر أن يوهمنا انه يقدم هذا الوصايا في ساحة المطلق الانسانى حتى لا تختص بإسلام وحده وإنما تختص بكل من هم في حالته
وفى حالة من الحالات التي ترصد فيها كاميرا الشاعر الأبعاد الواسعة وتتمدد بكادر الرؤية في محاولة للانفلات من مدار الذات إلى مدار الوطن يرصد الشاعر حالة الهيمنة الأمريكية على الوطن في محاولة لإدانة هذه الحالة وإدارة التشوف الشعري عنده إلى وجه الوطن ويبدو ذلك في قصيدة " القطة السودا " مستغلا في ذلك توظيف المفاهيم الشعبية في كراهية القطة السوداء وما نسجت حولها من أساطير فى الرمز بهذه القطة إلى أمريكا فجاء الرمز مفعما بالدلالة ويستهل الشاعر هذه القصيدة استهلالا اقرب إلى العفوية والغنائية
القطة السودا طالعة / بتمزمز فى الفيران / والحية لسه حية / بتولع الغيطان
ويتميز على أبو سراج فدرته على التقاط المفردات العامية الضاربة في عمق الموروث اللغوي الشعبي مثل مفردة "بتمزمز " بما تحمل هذه المفردة من التعبير عن حالة اللذة والرغبة في الإشباع والارتياح النفسي الذي تشير إليه المفردة في حالة مزمزة أمريكا في فئران العرب والشاعر في هذا النص لا يتوقف عند حد وصف الحالة وإدانتها وشجبها بل يمتد في نصه إلى تقديم الحل وإبداء الرأي في أن القوة هي الأساس في صد هذا العدوان الفكري والسياسي
وانت يابو قلب بارد / ياعرة الفرسان / الدنيا بتستحثك / انطق /سمعها صوتك /عيشة واخرتها الموت/ قاوح / اصمد /عارض/ الحزن ظرف عارض/ والفرح اولى بينا/ انوى وربك معانا / قوم كسر القضبان
وبرغم النبرة الوعظية في هذا المقطع وعد استساغتنا لمفردة " بتستحثك " لأنها تدخل في إطار التعقيد اللفظي إلا أن هذا المقطع يعتبر الصوت الأعلى في النص والذي يستصرخ الشاعر فيه أولى الأمر لأنه يرى أن حل القضية في القوة لا المهادنة
ومن الملامح الرئيسة أيضا في هذا الديوان ملمح الفقر ذلك الفقر الضاغط في المجتمع والذي تتكسر على أرصفته أحلام شريحة كبيرة وسائدة في المجمتع والشاعر مهموم بهذه الحالة متلبسها تارة عارضا مساوئها وتارة يساوى بينها وبين الموت وتارة يفضحها كاشفا عن أنياب الفقر التي يغرسها الأغنياء سهاما موجهة إلى عيون الفقراء وتكاد تكون ملاصقة لواعيته الشعرية فتدور مفردة " الفقر والفقرا " كثيرا فى اروقة نصوصه ويكشف عن ذلك في قصيدة " خطى يا موت على كل الفقرا" وهى قصيدة اشبه بحالات السخرية الباكية
احنا نموت احسن لاسيادنا / احنا يارب ارزقنا بجلطه / خلى اسيادنا يارب تعيش / من غير غم ومن غير هم / هما احق/ طبعا احق / واحنا نغور م العيشة الزق / خطى يا موت على كل الفقرا / ما تخليش ع الكوكب اجرا / احنا ان متنا تزول الورطة / احنا عيشتنا اساسا غلطه
وهذه السخرية المشحونة بالألم وان بدت تغلف النص بغلاف الخضوع والاستسلام إلى أنها في الباطن تخفى معنى الثورة على هذه الحالة وتكشف عوار الصراع الطبقي لتحرك الماء الآسن في الأذهان تجاه قضية ظلم الأغنياء للفقراء
وتأتى قصيدة " مستنى اموت" حالة أخرى تعبر عن ضيق الذات الشاعرة بالحياة وتجرد هذه الذات من كل ما تعلق بها وتعريها تماما كأنما الشاعر في حالة مكاشفة مع النفس التي يفضح من خلالها مساوئ العالم والحياة والذات التي فراقت الحياة الفطرية إلى حياة الإبداع والاستشراف من خلال كونه شاعرا ذلك الشعر الذي كشف العالم أمامه وأزال غلالته فبدا على كل ما فيه من مساوئ والشاعر يحمل الشعر في هذه القصيدة عذابات الروح
يوه / يلعن ابوه الشعر / ان كان شوفنى اكتر م اللازم/ وان كان ح يجيب لى الضغط / من يوم ما بلانى الله بقوالته/ ونازل هتش
فالشعر هو الذي دفع الذات إلى قلق الأسئلة حول هذا الكون الملغز وهذه الأسئلة ترهقه ولا يجد لها جوابا لماذا ؟ وأين؟ كل هذه الأسئلة كشفها الشعر ذلك المتشوفة به الذات أعماق الأشياء وهو الذي يدفعها إلى عدم الرضا بالسطح ولكنه يكشف عن عجزة ويواجه نفسه بحقيقة أن الأشياء اكبر منه وان الصوت الفرد حتى وان وصل الى كنه فساد الأشياء لا يقوى على رد كتل الهزائم الروحية فيسخر من نفسه
اتسرق العمر واخرتها / صلحت الكون / طب ايه اللى انا خدته/ من قلع صحابه / غير حرق الدم
ومن هنا يبرر لنا الشاعر لماذا ينتظر الموت ولكنه يراوغنا في انتظار الموت فهو لا ينتظر الموت باعتباره راحة أبدية من ضيق الدنيا التي كبلت الشاعر وقيدت روحه ومنعتها من الانطلاق والتحرر والتعبير عن الانسان كونه إنسان بشفافية وإنما الموت معادل الانتقام وحياة أخرى يحيا فيها الشاعر فوق الأشياء وينظر إلى هذا الكون من عل ساخرا منه ومن خداعه للذات
مستنى اموت / واتفرج على حال الناس/من فوق يمكن ابطل /اقسى على نفسى/ يمكن بعد العمر دا كله ارتاح/ واقدر اكون اللى ما كنتوش /واتخلص/ من هم الهدمة/ وهم اللقمة/ وان شفت الفقر بعينى / ارميه بالطوب / واكشف كل مقالب الدنيا البايخه / ما الوضع ساعتها ح يتغير/ وح اقول كل اللى ف نفسى
ويتميز على أبو سراج في هذا الديوان بقدرته على إيجاد إيقاع موسيقى شديد الحساسية لدلالات النصوص الشعرية بما يصنع تناغما بين الموسيقى والدلالة مضافا إليها بساطة المفردة الضاربة في عمق المخزون الشعبي والعمق الانسانى الذي يلتحف به ضد عوار الحياة ويسد به الفجوة بينه وبين فساد الواقع وكذلك بساطة الجملة التي أبرزت الإطار الموسيقى
والشاعر يبدو انه يدرك تقنيات الكتابة العامية حين يستخدم الأصوات المفردة للماثلة النطق وان كنت اختلف معه في استخدام صوت " الحاء " كثيرا في الديوان من مثل قوله " ح اقول كل اللى فى نفسى" لان صوت الحاء صوت حلقي انفجاري وان كنت أرى أن صوت "الهاء" انسب لأنه صوت مهموس وأتصور أن معظم من كتبوا العامية أو بعضهم استخدم صوت " الهاء" لأنه انسب في الإشارة إلى التنبيه لاستقبال ما يأتي بعده ولان الهاء في اللغة حرف تنبيه أصلا
وإذا كان هذا الديوان يقدم لنا مجموعة من الحالات الإنسانية الممزوجة بالألم والحزن والفقر فان غلاف الديوان الذي جاء متعدد الألوان الزاهية موسوما بالورود لا يتناسب مع ما يحمله الديوان بين دفتيه مما يشكل تناقضا بين الشكل والمضمون ويبقى أن الشاعر له تجاربه التي تميزه عن غيره في شعر العامية



عفاريت أبو زيد بيومي

هل تصنع العفاريت شعرا؟ يبدو هذا السؤال غريبا ولكن غرابته تزول حين نواجه بعنوان ديوان أبو زيد بيومي " العفاريت " هذا العنوان الصادم والمخيف لأنه يثير في واعية المتلقي من أول وهلة معنى الرهبة التي سوف تتحول إلى انفجار انسانى بعد قراءته للديوان ولذلك فقصائد الديوان نوع من إعمال العفاريت التي لا يقوى على فعلها الإنسان لأنها قصائد مترعة بالغربة والثورة مسكونة بالوطن عازفة على لحن المكاشفة عازمة على أن تؤدى رسالتها في حماية الوطن كما يحمل الجندي سلاحه في غمار المعركة
أن الشاعر ككل إنسان ، محدد ومؤقت ، ومحاصر بواقع أمته الكبيرة ، التي يحاصرها خطر أكبر ، هو خطر الوجود ، أو الانقراض الحضاري ، على أيدي حضارات وثقافات أخرى ، تغزو واقعنا من الداخل ، فتفتته إلى أجزاء متناثرة ، من الصعب تجميعها من جديد .
فالشاعر وضمن إبداعه ونتاجه يتجه إلى هؤلاء المهددين الذي هو واحد منهم ، في لحظته التاريخية الراهنة ، منبهاً من خطر الانهيار والانقراض ، ومن الانتحار الذاتي ومن هنا تأتى معظم قصائد الديوان محملة بد فوق جمالية ودلالية باعثة على التحريض والثورة مغزولة بخيوط المكاشف الشعرية لهذا الواقع المزيف ففي قصيدة "شجر اللبلاب" يكشف الشاعر عن هؤلاء المتسلقين الذين ملأوا الأرض زيفا وخداع مما يجل النفوس الشفافة تشعر بالاغتراب الروحي والمادي
لعب وتنطيط /تفانين/ على ساحر واقف في الميادين/بيشكل م الواقفين حواليه/تعابين حيات وعقارب/والناس بحماس بتهيصلوا/فيمد اديه على البدل الواقفة والفاستين/ ويطلع منها حيتان تماسيح/ كان شمع الدهشة على وش الواقفين بيسيح/ يسخن عم الساحر/ ويخلى الناس تشوف الناس كلاب/ شجر اللبلاب عمال يزحف
بريشة حبرها نخاع الروح يرسم أبو زيد هذه اللوحة لأصحاب الحيل الذين يشكلون الواقع وفق مصالحهم إنهم السحرة ولقد جاءت هذه اللوحة من عمق وعى شديد لمعطيات الواقع هذا الوعي الذي وظف البدل والفاستين بديلا عن الإنسان وهذا التوظيف يشير إلى يقين الشاعر بان الإنسان في الواقع تحول إلى مظاهر كاذبة لأنها تختلف كثيرا عن الساحر ولذلك فشجر اللبلاب مستمر في زحفه والشاعر هنا ينبه إليه بشكل ثوري نابع من اغتراب الذات الشاعرة هذا الاغتراب يبدو أكثر وضوحا في قصيدة "عسس"
الليل فى بلدنا /فى كل الشوارع والحوارى /بيمشى على مهله/ ولا حد ابدا من العسس مرة بيتجاهله/امشى ورا الشوارع/ كل الشوارع عسس
بهذه الكارثية يفتتح الشاعر قصيدته هذا الافتتاح الذي يومض في متن النص فحين تتحول الشوارع والنجوم والبحر إلى عسس تصبح الذات في اشد حالات اغترابها إذ لا منجى ولا مفر من هؤلاء العسس ولذلك يتكئ الشاعر في هذا النص على ثقافته الدينية موظفا قصة موسى والفرعون بإسقاط عصري يكشف عن انهيار قوة الحق وانهار الباطل التي أفقدت موسى عصاه فالشعب صار ضعيفا متخاذلا غريبا عن وطنه والفرعون زاد في فجوره فلم يعد يرهب البحر ولا يخشى الغرق
فرعون ما عدش البحر بيخونه / ماعدش البحر يوم يضحك عليه /موسى ضيعنا عصاه/اهرب لفين اعيش دفين المسالة
ومن ثم فان الاغتراب يصبح الخيار الوحيد إمام الذات المسكونة بالعفوية والتي لا ترغب في التلوث ولذلك يعتبر ملمح الغربة من أهم الملامح في هذا الديوان ذي التشكيلات الجمالية والفكرية المتعددة والذي يحمل نصوصا شعرية متفجرة بالرغبة في النهوض بالجماعة الإنسانية التي ينمتى إليها الشاعر أما وجه العفن الذي يثور فى الواقع كاشفة عن أسباب هذا العفن أمام المتلقي لتضعه على مستوى وجدان الشاعر وثورته هذا الوجدان الأحادي فالشاعر من خلال خطابه الشعري لا يعرف المشاعر الرومانسية والمحبوبة عنده هي الوطن وشاهدنا في ذلك نصوص كثيرة في الديوان منها قصيدة روح بتترنح على حبل الوريد /بالرغم من انك حبيبتى/ اختارى وغيرها من القصائد
ولنا أن نتوقف عند قصيدة " بالرغم من انك حبيبتى" التي تبدو فيها البنية الشعرية مخادعة فالقصيدة تبدأ غزلية عفوية وتنتهي سياسية مرة
بالرغم من انك حبيبتى/ فجر بيسرح شعوره فى مراية شرايينى /حلم بيشاور يمامه/طايرة من قلبى المتبل بالصباح /مقدرش اقولها لك بارتياح / والقدس فارده حجرها الميتمى
هذه البداية العفوية المحملة بالشاعر الجميلة تتحول ومعها الخطاب الشعرى للنص إلى حزن دفين لان الذات تفتح عينها باستمرار على هذا الوطن ولا ترى غيره حتى في حالات البوح الوجدانى العاطفى يقف الوطن أمام العين فتنتبه وترتد المشاعر الى الوطن فالشاعر لا يستطيع أن يخدع محبو بته تلك الأنثى ويعلن لها حبه إذ كيف تحب الذات وتعشق والقدس يقيم جنائزه؟
وفى قصيدة" العفاريت " يسلط الشاعر الكاميرا الشعرية لتلقط تفاصيل واقع المهمشين المغتربين عن الوطن المعزولين في عراء العالم الراجفين بالخوف كأنهم أرانب ترجف قابعة في انتظار الموت المدجج بالرعب
السقف ..البوص /النازل من صدره حبال/ف اخرها لنضة /على صدر اللنضة عويل بيرضع غاز/وبيرقص رقصة المدبوح/وحيطان بتبوح بالطوب النى العريان/الا من صورة لابوه/كانت ضحكة صدره فى الصوره/اعلى من صرخة كل رصاص الخواجات/والتانية لجده /الماضى بخطه على كل سطور تراب الارض/ والزارع رجليه فى الطين
إن هذا الوصف التفصيلي مقصود ومتعمد من الشاعر بوصفه تمهيدا يسرق المتلقي وينقله إلى عالم المطحونين وهذا التجريد الشعري الذي يخلو من الموسيقى يدفعك إلى التمسك بمتن النص انه تصوير سردي لعب الشاعر فيه على مفردات المكان ليصنع دراما النص الشعري فبعد هذا الوصف الذي هو مقدمة السرد تجد نفسك أمام عالم حي يطحنه الفقر لكن الشاعر لم يجرده من الحلم فالبطل في هذه القصيدة الدرامية شديدة الخصوبة الجمالية تسرقه لحظ نوم فيرى انه في قصر منيف ينام على سرير هزاز ومن حوله الحوريات بكاسات الخمر ويظل ها الحلم يتمدد على متن النص بكل رغبة الذات حتى " يقوم الواد مفزوع / يلقى جنبيه ع الفرشة /شوية طوب من حلم امبارح وشوية دم"
إن عمق الدراما هنا لا تسمح للفقراء بالحلم فالحلم معادل الموت لأنهم مثل أبطال : كافكا" ينامون في العراء ولا يحق لهم أن يحلموا وهذا يبرر لنا البداية النصية الواصف الكاشفة لمعطيات الفقر المكاني ليخرج من خلاله الشاعر الفقر الروحي والغربة النفسية وهذا الواقع المر الرهيب ، الذي يعيشه الشاعر ، الباحث عن الحرية والكرامة الإنسانية ليصوغها في إبداعه الأدبي . فهو يعاني ثقل الانحطاط الحضاري الذي شوه الإنسان العربي وأفقده إنسانيته الذي أورثنا الجهل والمرض والفقر ، ضمن الاضمحلال والتقهقر في غياهب العالم الثالث وتآمر الدول العظمى ، والزعامات التقليدية على مصادر الاقتصاد والثروات الوطنية ، والقضايا المصيرية ، فالشاعر يعيش كفاحاً طويلاً ومضنياً لاكتشاف ذاتيته والدفاع عن مبادئه وعقيدته ووطنه وعروبته ، مبعثراً في مستنقعات الفساد والتخاذل والتردد ، بين التوفيق والازدواجية ، يعيش في أحواله المتردية من سيئ إلى أسوأ ، فالأنظمة الفاسدة والقيم المنهارة والمجتمع المتفكك ، تبعث به أن يبحث عن حل .. وأي حل ينقذنا من ظلام النفس وغربة العقل والروح .. وهو يتساءل وينبئ ويعكس نتاجه شعراً ، نقوشاً وجدانية في وعي القارئ المجهول ووجدانه .
إنّها مأساة وقضية ، فالكوارث والمحن تمر بنا في ليل آلامنا الطويل ، ليل التساؤل والغبن عاصفة هائجة ، تثير الشكوك !! نحن نجهل ما سوف يجيء .. وما يخبئ لنا القدر ! ماذا بعد هذا الحمل الطويل ؟!
وأبو زيد بيومي راصد لتغيرات هذا الوطن وتحولاته وأتصور ان الهزيمة الروحية لديه من جراء شفافية رؤيته للوطن والتي هي تمثل مرجعيات نصوصه الشعرية دلاليا وجماليا
ويصل قمة الرصد هذا فى قصيدة " ماسكه زمارة رقبتى" تلك القصيدة التي تأخذك إلى التراجيديات اليونانية القديمة التي تعتمد على الجوقة في تحريك دراما النص فقد زاوج الشاعر بين نشيد " بلادى بلادى لك حبى وفؤادى" وهو نشيد اسهم فى تربيتنا الوطنية جميعا منذ أن كنا صغارا ولا زال ولذلك هو واقر في نفوس كل واحد منا وشاحن وطنيته – إن جاز التعبير- وبين مفردات خطابه الشعري العامي صانعا بذلك لوحة فنية جميلة اعتمدت اللون الأبيض في نشيد بلادي واللون الأسود في مفردات العامية الطافحة بالقهر ولم يكن اختيار الشاعر لهذا النشيد عبثا أو صدفة وإنما يكشف عن وعى شديد بما يفعله الشاعر ويدل دلالة لا تقبل الشك في سكون الوطن في روح الشاعر التي استدعت هذا النشيد للتعبير عن أزمته وغربته
(بلادى بلادى لك حبى وفؤادى) اما انا ابقى اشطبى اسمى من سطر احبابك /مفيش على وفا ولا دفنتى ترابك/ انا اللى عضمى انبرى /دهسوه ف اعتابك/لميته ملح ف عيش/ قدمته لولادى/(بلادى بلادى لك حبى وفؤادى)
هذا التزاوج الفني أو التناص صنعه الشاعر بمهارة فنية عالية وزرع فيه معنى الغربة بتكثيف شديد وكأنه يرفض أن نردد الاناسيد الحماسية دون وعى ودون أن تكون محققة للوطنية الصافية الصادقة في الذات فكلنا وقر فى نفوسنا هذا النشيد بما يحمل من معان وطنية يراها الشاعر زائفة ولذلك يطلب من البلاد ان تشطب اسمه من دفتر احبابها فهو ليس واحدا منهم
وأتصور ان هناك معاني شعرية تخرج من واعية الشاعر فى لحظة البوح الشعري التى لو تدخل العقل فيها لأفسدها ويظهر ذلك فى التراكيب الشعرية والأنساق الجمالية التى هى فوق العقل وهذه الأنساق تشف عن توهج روحي ومن هذه التركيبات قول الشاعر فى هذه القصيدة على نفس المنوال
(كم لنيلك من ايادى ماسكة زمارة رقبتى/ كاتمة صرخة يوم ميلادى/ساحبة روحى من كرامتى /حارمة اهلى من حدادى/ بلادى بلادى لك حبى وفؤادى) وهذا المزج شديد العفوية لم تصنعة واعية الشاعر وانما هو دفقة شعورية خرجت من اللاوعى حتى على مستوى الكتابة فكل المقاطع التى استعارها الشاعر من النشيد يضعها بين قوسين كبيرين مغلقين إلا هذا المقطع فانه لم يغلق القوس إلا فى نهاية المقطع الممزوج
ثمة تقنيات فنية لا يمكن ان نغفلها فى هذا الديوان لما لها من حضور جملاى جيد منها
1- الاستهلال
لعل وعي الشاعر بأهمية الاستهلال ووظيفته يجعله يستهل قصيدته بصورة جمالية مكثفةتصدم القارئ وتستثير أقصى غريزة حب الاستطلاع لديه، بغية جذبه إلى أجواء القصيدة. وهو أسلوب ذو حدين؛ إذ لو تبين للقارئ أن القصيدة لم تحتفظ بألقها بعد الاستهلال، فإن خيبة أمل المتلقي لا يشفع لها براعة الاستهلال ونجاحه.ونجد هذا كثيرا فى مطالع القصائد عند الشاعر منها
مطلع قصيدة "غيبنى فيك /العسس/روح بتترنح على حبل الوريد/بالرغم من انك حبيبتى/تجاعيد ولنا لاان نتامل مطلع قصيدة " تجاعيد" على سبيل المثال
تجاعيد جبين الارض /تستنى المطر /ونا جبينى ينتظر تجاعيد /ف سجن الروح مسجون يا حسد /ويوم ما تفلت من بين ضلوعها/ تدوب
فهذه المافرقة بين الروح والارض والمطر واالمفقود فى مقابل الانسانية المفقودة للروح تجعل الاستهلال مفجر لماعنى النص ويمسك بذاكرة المتلقى التى لا تجد بدا من متابعة النص والالتصاق به
2-الجملة الشعرية
فى معظم قصائد الديوان نرى البناء الناضج للجملة الشعرية المشحونة بالصور التى تخدم المعنى فى الجملة وقدرة الشاعر على اصطياد ادق المشاعر المتوارية فى عمق هذا التكثيف الجمالى من مثل " ترتخى اعصاب كلامه / تتكسر اغصان لسانى/ تتهز فروع القلب خريف/ البحر بيعصر كل هدومه ف حلقى/الف لون والطعم باهت"
3-قدرة الشاعر على صناعة ما يسمى بالمتوالية الشعرية القصيدة المقسمة الى عدة قصائد يربط بينها خط فكرى واحد وخيط درامى واحد وقد نحج الشاعر فى هذا فى قصيدتين هما "تعريفات /من دفتر احوال المحروسة" والتى رسم فيها صورا كاريكاتورية ساخرة لمعطيات الوطن التى تحولت الى قوالب جامدة والسخرية عمقت المعنى الفكرى الواحد الذى ينتظم هذه المتواليات منها
النطاح
اله قديم/"مازال يعبد حاليا"/ما لوش معابد او مقر /بيعبده اللى علا والمحتقر/ بقرون رشاوى او وساطة/فى بساطة/ ينطحك تعلا فى سما/او ينطحك تهوى ف حفر
وان بدا كل جزء من القصيدة يشبه التعريفات القديمة لكنها حيلة مراوغة من الشاعر اكتيدسبت فنية جميلة وان افسدتها لاجملة بقرون رشاوى او وساطه لانها فضحت عمق المقطع وتشك فى ذكاء المتلقى
وبعد فان ابوزيد بيومى شاعر جميل لديه قدرة ايضا على رسم اللوحات الفنية الناطقة بالمعانى الجمالية والفكرية فى قصائده


























الصورة الدينية فى أدب نجيب محفوظ


الدين؛ مطلق مفهوم الدين عند نجيب محفوظ يمثل ظاهرة واضحة لا تخطئها العين في رواياته جميعا استعرض من خلال شخصياتها ومواقفها تنوعا ثريا من الاختلاف حول دوره في الحياة، وأحيانا تفسيره والحكم عليه في قدرته على حل المشكلات والإجابة عن الأسئلة المتواردة على الإنسان في كليته، وهنا محفوظ غير معنيٍ تماما بمدى صواب الدين بمعتقداته وتشريعاته من خطئه، بل هو يصب اهتمامه على مدى هذا التأثير في كيان المجتمع ومدى استجابة أفراده له وتعاطيهم معه.
ومن أبرز الشخصيات التي تناول من خلالها محفوظ أفكاره حول الدين وتعد الأبرز بالنسبة إليه كونها تشير إليه بوجه من الوجوه شخصية كمال في ثلاثيته، كما أن روايته " أولاد حارتنا " , " الزعبلاوي " والتي نشرت بعدها بعامين فقط هما المدونتان الرئيستان اللتان تعبران أصدق تعبير عن توجهات محفوظ حول الدين وقضاياه بدءً من الإيمان بالغيبيات وانتهاء بدور الدين في الحياة، وهو يرسم كل ذلك بلغة محترف يعي كيف يمكنه أن يلخص الأفكار العامة في صورة رمزية يمكن استيعابها بما تحمله من تناقضات وتشعبات، وتأخذ علاقة محفوظ بالدين أبعادا متعددة أبرزها نقده للمفاهيم المغالطة التي يعتقد أنها استولت على الناس من خلال محاولته كشف المخبوء حول التناقض الإنساني الناتج عن المفارقة بين اعتقادات الإنسان وسلوكياته.
ومحفوظ رجل متدين بشكل أو بآخر سواء أكان في قبوله للدين أو حتى في رفضه له، وإن أي قراءة شاملة لكتاباته وإنتاجه لتشعر بها محركا ومحفزا قويا إلى جدل واسع ونقاش عريض حول دور الدين في الحياة، بمعنى أن روايات محفوظ لا تعطي إجابات بقدر ما تفتح أبواب واسعة للسؤال والتساؤل، وهذه طبيعة متأصلة في محفوظ؛ طبيعته الفلسفية القائمة أصلا على التساؤل الذي لا ينتهي إلى إجابة تنهي أي قضية مطروحة بل هو في حالة دائمة من الدوران في متاهة التساؤل، فهو الحائر الباحث عن حقيقة الكون والوجود منذ بداياته ودراساته الأولى، وبحثه تاليا عن الإنسان في دروب حاراته وبين فتواتها ونماذجها البشرية المتنوعة التي أبرز من خلالها ألوانا شتى من التصورات والرؤى والأفكار مما كان يدور وتم مناقشته ليس فقط على مستوى الأدب والفكر بل على المستوى الشعبي بين البسطاء من الناس الذين يلجؤون إلى الحسين أو السيدة زينب أو المجذوب أو حتى التبريرات الغيبية لانكساراتهم وهزائمهم، كل ذلك يحكي قصة مجتمع بأطيافه وألوانه بشتى تجمعاته وفسيفسائه.
برغم ما ترصده هذه الدراسة المقتضبة والموجزة شديدة الإيجاز عن رؤية محفوظ للدين في الحياة من عبارات يراها البعض فجة أو قاسية أو تحمل شيئا غير قليل من السخرية؛ ولكنها قد تكون من وجه آخر فرصة متاحة لنا جميعا لمناقشتها وتفكيكها وتحليلها بشكل يضمن لنا أن نتعرف على هويتنا وحقيقة تأثير الدين في حياتنا ـ سواء كنا مع أو ضد ـ ، ولماذا يصبح ملجئونا الأخير إذا تحزبت علينا الهزائم وتوالت الانكسارات واستشرى الفساد، فمن الملاحظ أنه عقب كل انعطافة هابطة في حياتنا الاجتماعية أو إخفاقة في اختباراتنا السياسية أو سقطة في مشاكلنا الاقتصادية نجد تعريجا وتعلقا بالدين كل الدين في شتى أشكاله وصوره بصوفيته الروحية أو سلفيته الأصولية أو وسطيته التجميعية أو غيرها من أشكال التدين التي نجدها في المسيحية كما نجدها في اليهودية سواء مع الإسلام في هذا التلون والتدرج تجاه فهم الدين وتطبيقه وتنزيله على أرض الواقع.
وقبل أن نصل إلى نتائج دراستنا نعرج قليلا على نماذج من رؤية شخصيات محفوظ للدين ومدى توفر القناعات به في الممارسات والسلوك وفي الاعتقاد والتصور، فأحمد عبد الجواد الذي يوقر المشايخ ورجال الدين يقول مخاطبا زبيدة الراقصة:" لماذا لم تتكرمي بضربي؟ فهزت رأسها وقالت ساخرة: أخاف أن أنقض وضوئي، فتساءل في لهفة، أأطمع أن نصلي معها؟ فتساءلت في دلال ساخر: أتعني يا صاحب الفضيلة، الصلاة التي هي خير من النوم؟ فيرد قائلا: بل الصلاة التي هي والنوم سواء" [بين القصرين: 88]، يقول رشيدي في رواية [خان الخليلي: 114]: " ثم وضع راحتيه حول قذاله كمن ينوي الصلاة، وتمتم قائل : "بسم الله الرحمن الرحيم، نويت الحب والله المستعان"، ويشير على لسان "ياسين" متحدثا عن أحد الوعاظ: "إنه يؤمن بشيئين .. بالله في السماء وبالغلمان في الأرض إذا تأوه غلام في القلعة" [بين القصرين: 391]، كما يقول عن ياسين [قصر الشوق ص 278] : "وربما أول مرة كذلك يشرب فيها كونياك "راقيا" خارج البيت إذ أنه لا يتناول الجيد منه إلا فيما يقتنى من زجاجات في البيت للاستعمال الشرعي"، ويقول على لسان حسين شداد : إنك تجد دائما وراء الأمور إما الله وإما سعد زغلول".
وهذه التعبيرات التي تحمل شيئا غير قليل من الاستهزاء بمقدسات الدين وقيمه على ألسنة شخصيات رواياته كثيرة، ومنها في رواية [ثرثرة فوق النيل ص116] نجد أنيس زكي يقول لعم عبده الغفير: "متى عشقت امرأة آخر مرة ؟ فيرد: أووه. فيسأله ثانيا: وبعد العشق ألم تجد شيئا يسرك؟ فيقول الرجل العاشق: قرة عيني في الصلاة، فيقول أنيس: جميل صوتك وأنت تؤذن. ثم بنبرة مرحة يكمل: ولست دون ذلك جمالا حين تذهب لتجيء بالكيف أو تغيب لتعود بفتاة من فتيات الليل"، ونجده في قصته "الطريق" يقول على لسان إحدى شخصياتها: "وأين الله خالق كل شيء وحافظه ؟ ويقول الكاتب : أين الله حقا ؟ هو عرف اسم الله ولكنه لم يشغل باله قط، ولم تشده إلى الدين علاقة تذكر. وسوف يصمت إلى الأبد دون أن ينبس لسانه بجواب يخرجه من حيرته .[الطريق ص 44]
وهذه قد تكون أهم المواقف التي وردت فيها إشارات أو عبارات وألفاظ تحمل معنيا دينيا؛ ولكنها استخدمت في سياقات ومواقف تحوطها كثير من السخرية المرة بهذه المعاني، واعتقد أن محفوظ لم يأتِ بهذه الألفاظ وتراكيبها هكذا من عندياته ليصدم المجتمع وليحدث لنفسه جلبة وصيتا؛ بل هي مما درج على استماعه من أصدقائه وأصحابه؛ وهم من هم من التنوع الفكري والاختلاف في التحفظ في التعبير، وأحيانا قد تصدر العبارة والكلمة من أحدهم لا يلق لها بالا ولكنها قد أُلقيت في عقل رجل حفاظ عليم بكيفية استخدامها في مجالها المناسب، وفي موضعها الذي يبرز معناها، وإلى الآن قد يكون محفوظ ناقلا لما رأي ولما سمع، وليس في هذا أي نوع من الرؤية المسبقة تجاه قد الدين غير تسجيله لمثل هذه المواقف بما تحمله من دلالات قد لا تعبر عن اعتقاد أو تصور، وغاية ما فيها أنها تحمل دلالات ومعاني ونفسيات أشخاصها الذين قد تخونهم العبارة أو تغرهم اللحظة في حالة غياب العقل بالسكر أو الوله والعشق أو غيرها فتصدر منهم مثل هذه الأشياء عن غير اعتقاد أو تصور.
ولكن هناك جانب آخر لمحفوظ يتجاوز فيه التسجيل والتصوير إلى التصور والرؤية، تمثلها كما ذكرنا سابقا شخصية "كمال" في الثلاثية أو " عرفة " في "أولاد حارتنا" أو الغائب الحاضر في " الزعبلاوي"، فكمال يقول عنه [قصر الشوق 347]: لماذا كتب مقالته؟ لقد تردد طويلا قبل أن يرسلها إلى المجلة، ولكنه كان يود أن ينعى إلى الناس عقيدته، لقد ثبتت عقيدته طوال العامين الماضيين أمام عواصف الشك التي أرسلها المعري والخيام، حتى هوت عليها قبضة العلم فكانت القاضية. [ وفي ص 350] من الرواية ذاتها يقول: "وسيكون في تحرره من الدين أقرب إلى الله مما كان في إيمانه به، فما الدين الحقيقي إلا العلم هو مفتاح أسرار الكون وجلاله، ولو بعث الأنبياء اليوم ما اختاروا سوى العلم رسالة لهم." ويقول كمال في  "بين القصرين": " أريد عالما يعيش فيه الإنسان حرا، بلا خوف أو إكراه، أما الدين فهو أقدم الآثار المتخلفة على وجه الأرض، فمتى يشب الإنسان عن طوقه ويعتمد على نفسه"، وفي [السكرية ص 135] نجد أحمد يقول عن الإسلام: " أعرف أنه دين وحسبي ذلك، ولا أؤمن بالأديان ". ثم يقول : "بقاء العقيدة أكثر من ألف سنة آية لا قوتها، ولكن على حطة بني الإنسان، ذلك ضد معنى الحياة المتجددة"، ويحسم هذه العلاقة فيما قاله رياض قلدس في [السكرية ص152] : "الشيوعية علم، أما الدين فأسطورة"
ولذلك نجد أن رؤية محفوظ تتكامل في جعله العلم المادي التجريبي حيث ظهرت ثقته المطلقة فيه فعرفة لديه من الأعاجيب في حجرته الكثير "ومنها قوة لم يحز عشرها جبل ورفاعة وقاسم مجتمعين. [ أولاد حارتنا : ص 471]، ويؤكد هذا المعنى في بين عرفة وعواطف امرأته، فهي تقول له : "ربك قادر على كل شيء فصمت مليا ثم غمغم قائلا: كذلك السحر فهو قادر على كل شيء" [ص 483] أي أن السحر/العلم قادر على فعل كل شيء، ثم يقول عرفة : "آه لو كنا جميعا سحرة" فتقول عواطف:" لو" ثم تردف قائلة: في زمن قصير حقق قاسم العدالة بغير سحرك. ولكن عرفة يرفض هذا المنطق، فيقول "وسرعان ما ولت أما السحر فأثره لا يزول " [ص 484] ، إن مقتطفات الحوار السابق تحمل أسئلة متنوعة ومشروعة؛  والإجابات عليها ليست هينة أو سهلة، لا سيما وأن الظروف التي أحاطت بالفترة التي ألفت فيها هذه  الروايات كانت كلها صراعا بين الدين والعلم، ويبلغ العلم/سحر عرفة عنده الحقيقة المطلقة التي لا تقبل المناقشة فيما يقوله عرفة ذاته:" أنا عندي ما ليس عند أحد؛ ولا الجبلاوي نفسه، عندي السحر وهو يستطيع أن يحقق لحارتنا ما عجز عنه جبل ورفاعة وقاسم مجتمعين" [ص 498]. وأدرك الناس هذه الحقيقة أخيرا؛ أنه الأمل الذي يتشبثون به لينقذهم مما هم فيه، فقالوا : "لا شأن لنا بالماضي، ولا أمل لنا إلا في سحر عرفة، ولو خيرنا بين الجبلاوي والسحر لاخترنا السحر" [ص 551]، ولذلك يصل محفوظ في نهاية الرواية إلى نهاية الجبلاوي ذاته وموته بعد أن كبرت به السن ووهت صحته، وبقي عرفة بما يملك من قدرة سحرية ومعرفة وعلم، وقد كانت هذه الفكرة الفلسفية مسيطرة على كثير من فلسفات بدايات وأواسط القرن العشرين لاسيما في ظل هذه العبثية المطلقة التي عاني منها الإنسان الغربي خلال الحربين العالمتين وأعلن حينها على لسان عدد غير قليل من فلاسفة الغرب موت الإله ورحيله عن حياة الناس وسيطرة العلم الذي نقل الإنسانية من عوالم الغيب إلى عالم الشهادة.
ولعل أوجز عبارة لخصت ما يمكن أن نقول عنه أنه رأي محفوظ في الدين  ـ  وأشك في هذا ـ ما جاء على لسان مصطفى المنياوي في [الشحاذ ص146]  "إني مؤمن بالعلم والعقل" وانتصاره للعلم وثقته المطلقة فيه، جعله  يقول في [خان الخليلي ص 83] على لسان المحامي: " لا غنى عن التسلح بالعلم للمكافح الحق، لا للاستغراق في تأملاته ولكن لتحرير النفس من أصفاد الأوهام والترهات، فكما أنقذننا الديانات من الوثنية، ينبغي أن ينقذنا العلم من الديانات"
وهذا الصراع بين العلم والدين، والتي هي ملمح أساسي في روايات الكاتب جعلت الأستاذ رجاء عيد يقول في بدراسة في أدب نجيب محفوظ: 62 ] "يمثل نجيب محفوظ في رواياته صورة للصراع بين العلم والدين، ففي عصر أصبح العلم فيه كأنه إله جديد تمزقت في البعض وشائج ذلك اليقين الديني، ويريد أن يقبض عليها من جديد أملا في أن يكونه العلم في قدرته يوما ما أن يهبه هذا اليقين الذي تزعزع إن لم يكن قد ذهب"
كما أن هناك شخصيات أخرى لمحفوظ يمكننا تلمس رأي محفوظ حول الدين من خلالها كشخصية رضوان الحسيني في رواية " زقاق المدق" والذي وطأ أحزان الدنيا بنعليه، وطار بقلبه إلى السماء وأفرغ حبه على الناس جميعا، والشيخ درويش أيضا، والذي هجر أهله وأخوانه ومعارفه إلى دنيا الله، وغيرها مما يحتاج إلى رصد واسع وتتبع حثيث.
ولكن من أين استقى محفوظ هذه الرؤية تجاه الدين، لا شك أن محفوظ كان يؤمن الاشتراكية العلمية إيمانا مطلقا، وأستاذه وشيخه في هذا هو سلامة موسى الذي عرفه على العلم والاشتراكية وبتعبير محفوظ نفسه بعد لقائه معه أنهما داخلا رأسه ولم يخرجا منه.
ولكن هناك جانب آخر خفي عن محفوظ له شديد الصلة بما نحن فيه، فليس الرجل إلا مؤمنا كما قلت بشكل من الأشكال بالدين ودوره في الحياة وهو وإن كان قد ردد ما ردد في رواياته فيبقى هناك مساحة لم تفتح إلى الآن هي مقالاته ومذكراته الخاصة، وهي تحمل جانبا وآلة مهمة للتنقيب في فكر محفوظ من خلال رواياته فيقول مثلا [ نجيب محفوظ يتذكر، جمال الغيطاني ص 14] :" كان البيت لا يوحي أنه من الممكن أن يخرج منه أي إنسان له صلة بالفن، الثقافة الوحيدة في البيت ذات طابع ديني؛ وصلته بالحياة العامة ذات صبغة سياسية، وكان والدي صديقا للمويلحي، وقد أهداه نسخة من كتاب " حديث عيسى بن هشام " نسخة أذكرها جيدا. [وفي ص 81] :" كان الخيط الثقافي الوحيد في الأسرة هو الدين."، هذا غير أمه التي كان مولعا بها ويعتبرها مصدر ثقافته الأولى والأساسية والتي لم يكن له كنف أو حضن غيرها؛ كانت امرأة مؤمنة شديدة الإيمان، تأخذ بيده إلى أولياء الله الصالحين وتدور على المساجد، كما كان محفوظ بطبيعته التصويرية والتسجيلية لحس المجتمع ووجداناته يستمد فكرته عن الدين من أوهام وترهات الناس من حوله وأظنه لم يجد نموذجا صالحا يحمل صبغة دينية يمكنه أن يعطي الإنسان فرصة في الحياة الكريمة. كان محفوظا مفتونا بحرية الإنسان وكرامته، فبحث عنهما في أي مكان وأي سبيل.
 وإذا كانت رواياته وصفا دقيق لواقعه الذي كان يحيى ويعيش من حوله، فمقالاته كانت رصدا لواقعه في فكره وثقافته وهنا نجد ملمحا مختلفا بعض الشيء وآراء تحتاج منا إلى وقفة متأنية ودراسة عميقة ورؤية أبعد غورا من مجرد القراءة العاجلة أو الحكم الجازم على مواقفه وتوجهاته تجاه الدين فيقول مثلا محفوظ:" ومن نعم الله علينا أن ديننا دين دنيا كما أنه دين آخرة." [نجيب محفوظ بين التدين والتطرف، ص 79.] ويقول أيضا ص81 :" وكل حكومة هي حكومة دينية على نحو ما .... ولكن من ناحية المضمون الأخلاقي الذي تلتزم به في معاملاتها وتشريعاتها. ذلك أن الدين من الناحية التاريخية هو المعلم الأخلاقي الأول للبشرية، وانه ما من حكومة إلا وتلتزم في دستورها وقوانينها بالسائد من الأخلاق والتقاليد والقيم، ولذلك لا يمكن أن نعدها حكومة دينية من ناحية المضمون، حتى إن نحَّت الدين جانبا أو نبذته نبذا." ويقول ايضا :" ولكن أحدا لا يستطيع أن يفصل بين الدولة وبين الدين نفسه إلا إذا أرادها دولة بلا قيم ولا أخلاق." [ص 138]
هذه الآراء تفتح وجه آخر لمحفوظ لعلها تكون أكثر وضوحا في التعبير عن رؤية الرجل وفكره، لاسيما وهو قد أشار إلى ذلك في البرنامج الثاني بإذاعة القاهرة أثناء مناقشة نقدية لرواية قلب الليل، حيث يقول " الأيدلوجية في قلبي وليست في عقلي" فإذا كانت الروايات هي قلب ونبض محفوظ فأن مقالاته ومذكراته هي عقله التي يفكر بها
الأدب النسائي في الوطن العربي


مقدمة:
لا اعرف سبب اهتمامي المفاجئ بهذا الموضوع وهذا العنوان ( أدب المرأة ) كما لا اعرف سبب إصراري على متابعته وذلك لأنني كنت أمر على التصنيفات والمسميات التي ألصقت بالأدب مرور الكرام، دون إعطاءه أي أهمية تذكر، خاصة تلك التي تتناول موضوع أدب المرأة والكتابة النسوية، من خلال المقابلات والدراسات والبحوث التي كنت اطلع عليها، فقد كنت اعتبر بان في بعضها نوع من الفذلكة الكلامية والبحث عن المفردات والعناوين التي تثير الفضول أو تملئ الصفحات وتكثر من الأسئلة والتساؤلات حوله لا أكثر، بعد إن فرغت جعبة المثقفين والنقاد والباحثين من إيجاد البدائل عن المواضيع المثيرة للاهتمام، لما تمر به الثقافة العربية من أزمة خانقة أثرت حتى في طريقة تداول ومعالجة ومناقشة هذه المواضيع.
ولم أكن أتصور بأنني سأقع في الفخ واجد نفسي أسير حقيقة مذهلة عن أدب أنثوي كثيف ومهم يتجول عبر الفضاءات الواسعة وبسرعة البرق.!؟
على أن مرد اهتمامي الرئيسي هو الصراحة البالغة والغير مسبوقة لكاتبات كثر إنتاجهن الأدبي وانتشر عبر المواقع الالكترونية الخاصة أو المنتديات ( سأتحاشى الاستشهاد بالأسماء لرفع الحرج ولأنني لست بصدد كتابة بحث أو دراسة أكاديمية ) وبأسمائهن الصريحة وصورة ما كان يتصور أي منا حدوث ذلك ولسنين خمس مضت.!؟... وإنني لمن المرحبين والمشجعين لذلك دون تحفظ وذلك لعدة أسباب.!؟
1-سماع رأي الطرف الآخر بوضوح وصراحة شديدة لم نعتد على سماعه.؟
2-رفع الشعور بالذنب عن الرجل اتجاهها بحرمانها من المنابر الإعلامية واتصالها بالجمهور دون حواجز أو قيود.
3-السماح للكثيرين منهن استعراض مواهبهن والوقوف على حقيقة مستواهن الأدبي والثقافي والبلاغي ورصد مقدرتهن على التأثير في الغير وحجم المناصرة أو الرفض من قبل القراء لطرحهن وأرائهن وكتاباتهن وفي أي مجال أو موضوع كان.
4-تعودهن على الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والمدنية اتجاه الغير بحكم استقلالهن في اتخاذ القرار في خوض هذه التجربة ومواجهة الجمهور بحرية كاملة ودون قيود.
5-وأخيرا لان نتاج وفائدة هذه الممارسة الديمقراطية تعود إلى أم أو أخت أو زوجة لأي منا بلا شك. 
 ((  كلمة عارضة وأخيرة للكاتبات الجدد: وهي أنني لا أجد في كتابات بعضهن وصارحتهن البالغة التي تصل حد الإسفاف والإباحية أي مغزى سوى الإثارة الرخيصة.!؟... وبان الخوض بكتابة الأدب الرفيع يستلزم مقدرة بلاغية فائقة وخيال خصب يساعد على إيصال ما نريد البوح به إلى الغير ومن ضمنه رسالة تربية وتأديب دون أن يؤدي ذلك إلى جرح لمشاعر الغير.!؟
وبان الجراءة والصراحة في تناول المواضيع الجنسية ( وهي الغالبة عند الجيل الجديد من الكاتبات ) ( منهن من يتكلم عن أشياء لا يملكن أي تجربة أو ثقافة أو خبرة تذكر سوى سماعها من الغير.!!!؟؟؟ ومنهن من خاض تجربة فاشلة واعتبرنا إياها من المسلمات.!؟...) لا يعطيهن النتيجة المطلوبة لأداء وإيصال رسالتهن إن وجدت. لأنها لا تعدو أن تكون أكثر من عرض لتجربة شخصية تشبه في بعضها تقارير مخافر الشرطة.!؟؟؟ أو جلسة من جلسات العلاج في عيادة للطب النفسي. وبان الكتابة في أي شيء وفي كل شيء سهل جدا. إلا أن الكتابة لنقل رسالة تخدم هدفا أو غرضا إنسانيا -وهو المطلوب- فانه الامتحان الكبير والجدي لهن. ))
 ولهذا لم أتوانى عن خوض هذه التجربة الفريدة في جمع بعض ما كتب حول أدبهن من دراسات ومقالات ولقاءات متمنيا مطالعة موفقة ونزهة طيبة في ربوع هذا المقال تفضلوا خالص التحية والاحترام.
الأدب النسائي في الوطن العربي
الأدب النسائي في الوطن العربي.؟.... أدب المرأة.؟....المرأة والأدب.؟.... الأدب النسوي.؟... المرأة في الأدب والقصة العربية.؟
عناوين كثيرة وكبيرة قد تثير انتباه القارئ أكثر مما تحتويه من فكر وفائدة.!؟....
ولهذا أوقعتني هذه المهمة في الكتابة عن أدب المرأة أو الأدب النسائي في الوطن العربي في حيرة كبيرة والتباس في المدلولات والرموز حتى أنني وقفت عاجزا عن اختيار العنوان المناسب لها.!
خاصة بعد أن اطلعت على أكثر من مقالة ودراسة ورأي حولها. وكدت أن استسلم واترك الموضوع وشأنه، لأنني لم اعتد على الكتابة إلا بدافع الحاجة... وحاجتي كانت دائما وقبل كل شيء تتصل في العثور على الحقيقة، وتفسير الغامض منها، والفهم عبر الكتابة عنها.؟.... ولهذا  تأتي كتاباتي مختلفة في صيغتها عما يطرحه الآخرون، لأنها لم تكن في أي حال من الأحوال إلا محاولة بريئة وصادقة في البحث عن جواب شفاف وصادق.!...
1- والسؤال الأساسي والأول المطروح هو: هل يوجد حقا أدب نسائي.؟... وبالتالي يفترض أن يكون هناك أدبا رجاليا بالمقابل.؟ وما هي خصائصه وصفاته ومميزاته التي تدل عليه.؟ أي بمعنى هل يكفي أن تكتب المرأة موضوعا أدبيا حتى نصنفه بأنه أدب نسائي.؟...  أو تصنيفها ككاتبة أو أديبة نسوية.؟... وهل يصح ويكفي الكتابة في شؤون المرأة ( على تنوعه ) حتى نصفه بأنه عمل يتعلق بالأدب النسوي.!؟...
أرجو ألا يكون كذلك. وإلا تحتم علينا إنشاء نقابات وأندية خاصة بالأدب النسوي مع ما سيفضي إليه هذا التصنيف من ملحقات وتشعيبات وقوانين تميزه عن غيره وتضع له شروطه.؟ وقد يؤدي في النهاية إلى ضم كل من كتب عن المرأة تحت لواءه حتى وان كان رجلا.!؟؟؟
بحيث يعيدنا مرة أخرى إلى نقطة الصفر. والبحث عن مسميات جديدة له تحفظ خصوصية ( أدب وكتابة وربما ثقافة المرأة كوحدة خاصة مميزة بمفردها ).!؟؟؟
ومن ثم ماذا سيكون موقفنا من الدراسات الاجتماعية والتاريخية والطبية والفلسفية والفنية وكل ما يمت للعلوم الأخرى -والتي لا تتصل بالأدب- بصلة.!؟ وتكتب فيها المرأة بحكم اختصاصها وموهبتها ومهنتها.؟... وهل نصنفها تحت الكتابات العلمية التاريخية الفلسفية الفنية النسائية... أيضا.!؟؟؟... أم أن لها تصنيفات أخرى لا نعرفها.!؟
وهل إذا بدأنا على هذا المنوال ستصل الحال بنا إلى طب وسياسة وفلاحة وهندسة وفنون نسائية..الخ..الخ..الخ.!؟
2- أنا أتصور وبكل بساطة بان هناك علم وأدب إنساني فقط، يشارك في بناءه وتطوره ونجاحه ذلك المخلوق الرائع الذكي الوحيد الذي استطاع أن ينتصر على كافة المخلوقات ألا وهو الإنسان.... وبان الإنسان بتناوبه في ثوب الذكر أو الأنثى -(( أنا استعضت بالذكر والأنثى عن الرجل والمرأة حتى لا احرم ما دونهما من حقوق (كالأطفال والفتيان) ولما لا الملتبسين في الخلقة والتكوين والجنس ( كالمخنثين) ))- لا يعكس بأي حال من الأحوال إلا هموم جنسه وقد يتجاوزه بدافع روحي وأخلاقي وديني بحت إلى الاهتمام والحماية والدفاع عما يحيط به من خلائق سواء بيئية أو حيوانية لأنه يدرك بحسه الفطري بأنه ينتمي إليها بطريقة أو بأخرى.!
وتصوري ذاك يقودني إلى الاعتقاد بعدم وجود جنسين من الأدب ( أدب ذكوري أو أنثوي) (أنا لا اتفق على ما جاء به البعض من تشبيه الأدب النسائي بالأدب الخليجي أو أدب المهجر.؟؟؟... تمهيدا لتكريسه والاعتراف به .؟؟؟ لان الموضوع يتعلق بجنس الكاتب وليس موطنه إلا إذا اعتبرنا بان المهاجرين والخليجيين من جنس واحد.!!!؟؟؟....) وبان الفارق الوحيد الذي يثير اللبس في وصف وتحليل وكتابة كل منهما تعود في الدرجة الأولى إلى الطريقة التي يعالجا فيها المشكلة التي يتحدثان عنها ونظرتهما الخاصة إليها. والتي تشبه في بعض أوجهها الفرق بين نظرة كاتب صحفي وطبيب كاتب.الخ... وهي تعتمد بدرجة كبيرة على الثقافة والتربية والبيئة الاجتماعية.
وأنا اعتقد بأن التسميات الحديثة التي التصقت بكتابات الأديبات العربيات ( أدب المرأة، أدب نسوي، أو أدب نسائي.!؟..الخ.) لم تكن أكثر من صفات أطلقت على أعمالهن لمحاولة إظهاره والدلالة على وجود أديبات عربيات وأدب يكتبه ويبدع به مثقفات ومتعلمات وكاتبات من الوطن العربي لا أكثر.!؟
خاصة بعد الاستقلال وحملات محو الأمية، والاعتماد على المرأة ومشاركتها في كافة المجالات التنموية، بعد إن كانت مهمشة وأمية وبعيدة عن الأضواء.
وتلك الحالة لم تكن بعيدة عن وضع الرجل سوى انه كان سباقا إلى الانخراط في البيئة الثقافية بصورة نسبية تتناسب مع حجم تفاعله ومساهمته في الميادين الأخرى.
وهذه الصورة بالتالي تختلف من بلد عربي إلى آخر كل حسب تاريخ انعتاقه من الاحتلال ووضع محو الأمية وتحرر المرأة فيه.
ولهذا لا يصح اعتماد تلك الصفات للدلالة على أدب مميز وخاص بعينه لأنها تفرغه من مضمونه وتجرد المرأة الكاتبة الخلاقة من حقوق تداولها للشأن العام ( الغير نسوي ) خاصة إذا ما وضعت في حالة الند والمنافسة مع الرجل في مواضيع ( نسوية ) قد يكون الرجل فيها أكثر إبداعا وقربا في تصويره للحقيقة منها.!؟
فقد يقترب الذكر في وصف حالة ما من مشاعر الأنثى لدرجة أكثر جراءة وصدقا مما يمكن أن تفعله هي ولأسباب تتعلق في الحفاظ على الحد الأدنى من أسرارها الأنثوية.!
وفي المقابل قد تقترب هي في طرحها وتناولها لموضوع اجتماعي أو سياسي أو عاطفي من عقل وخيال وحقيقة الذكر أكثر منه وذلك لأسباب تتعلق إلى إحجام هذا الأخير عن الإفصاح عنها لأسباب تتعلق بالعيب والسمعة والخوف من ربط الحدث بكاتبه.!؟    
وقد لا يصيب التوفيق أي منهما في الوصول إلى تمثيل ووصف مشاعر الطرف الآخر بحيث يقف كل منهما مذهولا أمام الحقيقة إذا ما أنيط اللثام عنها.؟
إذا يقترب كل منهما من الصدق في وصف مشاعر وهموم الآخر بدرجة اقتراب أي منهما من صفاة الآخر.!...
فنجد عند الذكور من يتصف بدفء ورقة المشاعر ورهافة الإحساس وشدة التأثر والتعلق والإخلاص للعائلة والأطفال. كما نجد عند الإناث من يتصف بالخشونة في المعاشرة وحب المغامرة والخروج عما هو مألوف في طبيعتها ومعاملتها للغير. 
ويقتربا كثيرا من طرحهما ووصفهما للحدث إذا ما تناولاه بصيغته الأكاديمية والبحثية المجردة.
3- أن يتم طرح الموضوع بعيدا عن الجنس والاستعاضة عنه بمراحل العمر المختلفة وتقسيمها إلى ثلاث مراحل بارزة ومتفق عليها ألا وهي:
ا- الفتوة: وفيها يبدأ الإنسان باكتشاف ذاته ومحيطه وموهبته. ولا يختلف الكاتب عند أي من الجنسين في نظرته الحالمة البريئة والمثالية للعالم الذي يعيش فيه.! بحيث تبدو الكتابة عنه لا تعدو أكثر من نزهة للمشاعر في حديقة الحياة الغناءة. وهو يمارسها دون أي تحمل للمسؤولية أو أي شعور بوزر وثقل الضوابط الاجتماعية، فأي مشكلة قد تعترضه لا تحتاج أكثر من بضع كلمات أو سطور في قصيدة... بحيث تعود الأمور بعدها إلى نصابها وكما كانت من قبل.؟... فالحياة لديه لا تتجاوز حدود غيمة عابرة تتمدد وتتشكل لترسم الصورة الجميلة التي يحلم بها.!؟
ب- الشباب: وفيها يبدأ الإنسان (من الجنسين) بالكتابة ورسم العالم الذي يحيط به بشيء من الشاعرية والخيال ولا يخلى في بعض الأحيان من الثورة.؟...
لقد بدأ يكتشف العوائق التي تحيط به والمتمثلة بالقوانين والأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية...هذا بالإضافة إلى سلسلة طويلة من الإشارات والرموز القابعة هاهنا في عقله ووجدانه تتربص به وتحد من طموحه.!؟... وفي بعض منها انعكاس لأمر صارم من أب يهابه.؟ أو دمعة دافئة سخية كانت قد سرت على وجنيني أمه الناعمتين تهزه.؟ وبينهما تتجسد تلك التعاليم الدينية التي تربطه بالخالق وتجمع بينه وبين ملائكته ورسله المبجلين والمفضلين لديه....ولا يستطيع مواجهة أي منهم وتحت أي عذر. فهم يسكنون كيانه ويشكلون جزءا لا يتجزأ من شخصيته واسمه وضميره ولا بد من التعايش معهم ولو كان ذلك على حساب حريته الذي تمناها واشتهاها.؟... ولهذا لا يتأخر من بث لواعجه ومشاعره ومآسيه على الورق دون أن يقترح حلولا لها.؟... فهو مستسلما في كل الأحوال لقدره لا حول له ولا قوة.!؟
وبعض كتاباته الحالمة الخجولة قد تطفق بالمعاني النبيلة والحب المفعم بالصدق.... والأمل بمستقبل طيب ومشرق حر.... جاهز لكي يغدق بكل ما لديه من عطاء لمجرد أن ينتهي من العبودية التي يعيش فيها،... متوجها لبناء حياة مشتركة مع الطرف الآخر.!؟ فهم يتشابهون بقدر ما في الصيغة والطرح.!
ج-سن الحكمة أو الرشد: حيث يبدأ كل من الجنسين باختبار معرفته لذاته وكشف مشاعر الطرف الآخر بحكم المعاشرة والخلطة ويبدأ بنقل خبرته ومهاراته إلى الغير.؟
فقد آن الأوان لكل من الجنسين الاقتراب -في تطرقهما للمواضيع المطروحة- من الحقيقة بشيء من التجرد والصدق والشجاعة.!... فلقد انتهت فترة المناورة والاختبار وبات كل طرف على دراية كافية بالآخر لدرجة يستطيع بها الحلول مكانه والتحدث بلسانه بشيء من الثقة والإصرار على لعب دوره كاملا. لقد اكتملت معارفه، ونضجت خبراته، وبدأت فترة العطاء الحقيقي في تدريب وتعليم ونقل النصيحة والمعرفة للغير.! وربما تخطي حاجز المؤازرة والدفاع ورد الظلم عنهم إلى المواجهة، مع كل ما يحمله ذلك من عواقب.؟... فهو الصادق مع نفسه المخلص لمبادئه. 
4- إن سبب ازدهار فكرة الأدب النسائي يعود بالدرجة الأولى إلى عمل البعض على تحجيم دور الكاتبات العربيات وإبعادهم عن أخذهم الدور والمكانة الطبيعية التي يستحقونها. واعتباره أدبا خاصا يراعي نموذجا واحدا وهو النظرة الأنثوية وطريقة معالجتها للأشياء من ناحية وإلباسها صورة المدافعة عن حقوق المرأة -مع ازدهار حركات تحرر المرأة في العالم بشكل عام وفي العالم العربي بشكل خاص- من ناحية ثانية.
ومما أعطى للمدافعين عن هذه الفكرة المصداقية هو اندماج بعض الباحثات عن الشهرة من كاتبات وأديبات الوطن العربي إلى تبني أفكار تلك الحركات بدلا من البحث عن أسباب تخلف وجهل وأمية المرأة في الوطن العربي والتي تعود إلى نفس الأسباب التي يعاني منها الرجل وهم في هذا سواء.!
وكان من نتيجته ازدهار ما يسمى بالأدب النسائي لما كان يتمتع به من حماية ودعم من السلطات الرسمية وفسح المجال واسعا أمام أعمالهن وكتاباتهن لإعطاء المصداقية لبعض الحكومات في الوطن العربي أمام العالم حول إعطاء المرأة حقوقها واندماجها بالحركة الثقافية العالمية.!؟
ولهذا بدأنا نشهد نشاطا متزايدا لترجمة كتاباتهن -عن غير وجه حق- إلى اللغات الأجنبية لأنهن يشتكين فيها من ظلم الرجل والزواج بالإكراه وحرمانهن من العمل...الخ الخ الخ ( وهو ما يثلج قلب الغرب ويفرحه لأسباب معروفة ) وكلها مشاكل اجتماعية عامة للرجل فيها ما للمرأة من نصيب في القهر.
هذا بالإضافة إلى إنهن لا يضفن إلى الأدب العالمي أي جديد سوى قراءة أعمالهن وكأنه خبر في جريدة ووصف لحالة إنسانية متخلفة ومزرية دون إظهار أي بعد عاطفي أو إنساني أو أدبي لأعمالهن.؟
وهذا ما شجع المصنفين لهن ولإعمالهن على الإصرار بوجود أدب خاص بالمرأة حتى يحافظون على احتكارهم للأدب وملحقاته( الصحافة والإعلام ودور النشر ) بصيغته الذكورية المعروفة.
5- وأخيرا أنا أعلق الآمال على جيل جديد من الكتاب من الجنسين تجاوزوا مرحلة الخوف أو الحرج أو الخجل من تناول أي موضوع ومن أي نوع ومن أي مستوى كان لما تمنحه وسائل  التعلم والاتصال مع الغير من حرية في التعبير وبلاغة وجراءة في الوصف تجعل من كتاباتهم وأدبهم عملا واحدا موحدا بذائقة فنية متنوعة وملونة بألوان ثقافية وموهبية جديرة بالاحترام. وتؤهلهم للحاق بالآخرين دون تردد وهذا ما أتوقعه وأتمناه
صورة الأدب المقاوم فى شعر عبد المجيد فرغلى
بقلم / عبد الحافظ بخيت متولى

يقول المتنبى
أكلــما رمت جــيشا فانثنى هربا **** تصرفت بك في آثاره الهمــــمُ
عليك هــــزمهم في كل معتـرك **** و ما عليــك بهم عار إذا انهزموا أما ترى ظفرا حلوا سوى ظفـــر**** تصافحت فيه بيض الهند واللمـــمُ
مدخل
حفلت المكتبة العربية بالعديد من الكتب والدراسات والأبحاث في النقد الأدبي ، وتناول جلـّها تجارب شعراء وقصاصين وروائيين وحقب شعرية ومدارس فنية في الشعر والنثر شرقية وغربية لكنها وللأسف ما تزال شحيحة في الموضوعات التي تتعلق بأدب المقاومة العربية ، وما صدر لحد الآن لا يشكل إلا ّعددا ً قليلاً جدا ً من الكتب لكتّاب يدركون أن الكتابة في هذا الموضوع مسؤولية أخلاقية ووفاء لموقف من أختار أن يعبئ ماسورة بندقيته برصاص الكلام النافذ إلى قلب العدو الغازي والمعتدي الحاقد .
ومن الكتب التي تناولت أدب وثقافة المقاومة العربية :
1 ـ أدب المقاومة في فلسطين المحتلة / للأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني                                                                      
2 ـ الثقافة والمقاومة / للأديب والمفكر الفلسطيني أدوارد سعيد .
3 ـ الموت والحياة في شعر المقاومة / للناقد د . قصي الحسين .
4 ـ الأدب والمقاومة / د . خالد علي مصطفى .
5 ـ ملامح في الأدب المقاوم / د.حسين جمعة .
إن النقد الأدبي يستطيع أن يقدم خدمات جليلة لأدب المقاومة ، ويساهم في ترويجه وتشذيبه وتعزيز مكانته بين الأجيال المتعاقبة من القراء ، وهو قادر على تحفيز الشعراء الشباب المقاومين ممن يستحقون لقب (شاعر مقاومة ) ويقدمهم للقارئ العربي بامتياز مما يدفع بهم قدما ً إلى أمام ، كما أن عمليتي الرصد والتوثيق للأدب المقاوم مهمة تاريخية في غاية السمو ولا يقدر على إجادة التقديم فيها إلا من اتسم بالفكر النير والعلمية والموضوعية من نقادنا العرب                                                                           
يقول الأديب والمفكر العربي الراحل أدوارد سعيد « لم أستطع أن أعيش حياة ً ساكنة أو غير ملتزمة ، ولم أتردد في إعلان انتمائي والتزامي بواحدة من أقل القضايا شعبية على الإطلاق « أجل فقضية مناهضة الإستعمار والاحتلال ، والمقاومة بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة ليست قضية مربحة لأن المستفيد الوحيد منها هم أبناء الشعب الفلسطيني وليس تجار الحروب أو سماسرة السلاح ، كما أن المقاومة (تضحية من أجل الآخر الذي لا نراه ) كما يقول الشاعر ناظم حكمت ، لكن الربح الحقيقي فيها هو أن يربح الإنسان المقاوم نفسه ، ثم شرف كتابة اسمه بماء الشمس على لوحة السماء ليتألق كنجمة في مساء الصيف تراه الدنيا بكل بهاء وجلاء                                                .
وتؤكد أدبيات التاريخ الإنساني وتجاربه أن الأدب والفنون رافقا الإنسان طوال تاريخه الحربى ويمكن أن يقسم دور الأدب المقاوم في الدعم والمساندة إلى ثلاثة أقسام: ما قبل المعارك، أثناء المعارك، ما بعد المعارك، ولكل منها ملامحها وخصائصها الفكرية والفنية والتى يمكن إجمالها (غالبا) فى تلك العناصر "الدعوة إلى استرداد الحقوق المغتصبة" الدعوة للجهاد، الحنين إلى الديار والوطن، الدعوة إلى قيم العدل والإصلاح، التغني بالبطل والانتصار كما أن (البكائيات) تعد ضمن عناصر تناولت أدب المقاومة وإبداعاته وهو ما نلاحظه فى الإنتاج الأدبي خلال فترة انهيار الدولة الإسلامية فى الأندلس مع الدعوة للثأر والبحث عن البطل والبطولة وطلب النجدة.
ولمواجهة ثقافة الفتنة والاستسلام التي تنتشر اليوم في بلادنا العربية لابد من تبني ثقافة وأدب المقاومة قبل الحروب العسكرية فلقد أصبحت ثقافة وأدب المقاومة ذات دور وقائي أي يمكنه أن يعمل قبل بدء المعارك ويعتبر أدب المقاومة الآن أكثر أهمية من أى وقت مضى حيث أنه هو الكلمة الحرة المؤثرة التى تبحث عن الأسباب ولا تبرر الخطأ بل تدعو إلى تحضير الذات فى مواجهة الآخر العدوانى فتكثر الأمثلة وتتعدد الآراء ووجهات النظر ويبقى أدب المقاومة دوما خير معبر عن محاولة الإنسان منذ قديم الزمان وحتى الآن ليبقى صوت الحق فى مواجهة الباطل بكافة الوسائل المتاحة ليس بتعزيز القدرة على مواجهة الآخر فقط ولكن بتعزيز الذات (الجمعية) وتعظيم عناصر قوتها في مواجهة هذا الآخر المعتدي.
وإذا ما ترجمنا هذه المعاني علي واقعنا العربي والإسلامي اليوم، نجد أن دعاة الفتنة المذهبية والسياسية هم أنفسهم دعاة الاستسلام والتحالف الضمني مع مشروع الهيمنة الأمريكي الصهيوني، وإن تخفوا تحت عباءات مضللة أو احتموا بلافتات كاذبة مثل حماية ورعاية المقدسات، إننا أمام مشروع واحد في الواقع، مشروع للفتنة والقبول بالهيمنة في الوقت ذاته، ومثل هذا المشروع لا يمكن مواجهته دونما امتلاك مشروع مضاد، ونحسب أن مشروع المقاومة بثقافاتها وآدابها وإعلامها هو وحده القادر علي ذلك، وهو الأكثر تماساً مع هوية الأمة وتاريخها ومصالحها، ومن الواجب الشرعي قبل السياسي علي دعاة المقاومة وحماتها من النخبة السياسية والثقافية في بلادنا أن يتبنوا هذا المشروع ويدعوا إليه إذا كانوا بالفعل جادين في مواجهة كارثة المشروع الأمريكي/ الصهيوني وتابعيه من دعاة الفتنة في أمتنا
تعدّدت الأنماط الشعرية في الأدب المعاصر، وبرزت أنماط جديدة غير تلك التي كانت معهودة عند الشعراء في العصور السالفة، وإن أبرز تلك الأنماط الشعرية في الأدب المعاصر هو ما يُسمّى الأدب المقاوم.
والشعر الذي هو أحد مفردات الأدب المعاصر، يعتبر بطبيعته ثورياًَ إذا ما قيس بمفردات الأدب الأخرى كالقصة والرواية والمسرح، وغيرها من المفردات الأدبية الأخرى، إذ القافية عادة ما تلتهب عند الشاعر عصريةّ كانت هذه القافية أو كلاسيكية، فالأسلوب لا يحدّ من الانفجار الهائل في الأبيات الشعرية المعاصرة، حيث يتحكّم الشاعر فيها بأسلوب فنيّ وبلاغي مُطَعّمٍ بثقافته المتنوّعة ليصوغ من حروف وحيه الشعريّ الممزوج بالوعي الفكريّ أو السياسيّ أو الاجتماعيّ أو حتى العلميّ ما نسمّيه بعد ذلك بالقصيدة مختلفة في الشكل والمضمونوتختلف القصيدة المقاومة كنمط برز في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي على أيدي بعض الشعراء الفلسطينين من أمثال محمود درويش ، وسميح القاسم، وفدوى طوقان وغيرهم من الشعراء الذين أسسوا مثل هذا النوع من القصيد، تختلف عن بقيّة أخواتها من القصائد الأخرى بأنّ ركيزتها الأولى هو عنصر المقاومة، حيث يستشرف الشاعر من خلالها مستقبل القضية من دون الوقوع في مستنقع ( الأيدلوجية ) لتُبقى القصيدة على عنصر التشويق والتدفّق الشعريّ والجمال الأدبي الراقي والعفويّ والفطريّ والوحدة العضوية التي يُنادي بها كثير من النقاد اليوم، إلا أنها تُهرّب عبر حدودها المفتوحة وعياّ حقيقياً لمسارات القضية السياسية ليتلقّاها المتلقي عبر اللاوعي  بسبب جماليات الأبيات واتساقها ونضارة مداركها، ولُطف معا                                                                                        
لذا يلجأ الشاعر في القصيدة المقاومة إلى إبراز ما يستشعره وما يؤمن به من أفكار وما يُحسّه هو من اضطهاد وظلم وألم متكئاً على عنصر المفاجأة أحياناً وعنصر المفارقة في أحايين كثيرة، مثله مثل الشاعر في القصيدة الأخرى، إلا أن العنصر الثوريّ الكامن في اللفظ النّاري، والحرف الانفجاريّ، والمعنى الحسيّ، والانفعال الذاتيّ، تبرز كلها أمام المتلقي وكأنها أسلحة يريد أن يستخدمها في وجه عدوّه، لكنْ بابتعاد كبير وحذرٍ ومدروس عن المباشرة ، فيصنع من الحرف قُنبلةً، ومن القافية قذيفة، في جوٍّ مقبولٍ ومستساغ من لدن المتلقي الذي يصفّق وبحرارة متقبّلاً لما يتلقّاه ومستزيداً الشاعر للإعادة أو الاستئناف أثناء الإلقاء، أو يعيد قراءة القصيدة عدّة مرات في حال نُشرت القصيدة مكتوبةً.
هذه الحالة المتبادلة بين الشاعر والمتلقّي تدل دلالة واضحة على أن القصيدة المقاومة لا تزال تحتفظ بالوجاهة في الشعر المعاصر، فهي وكما يبدو في تعريفها أنها تختزن في طيّاتها أنموذجاً لموروثٍ حضاريٍّ إذا ما خرجت بعمق وأصالة من ذات الشاعر الواعية لهويته الثقافية، تماماً كما يقول  احد الباحثين في تعريف للشعر المقاوم : (ويمكننا تعريف شعر المقاومة بأنه تلك الحالة التي يعبر فيها الشاعر و بعمق و أصالة عن ذاته الواعية لهويتها الثقافية و المتطلعة إلى حريتها الحقيقية في مواجهة المعتدي في أي صورة من صوره, منطلقا من موروثه الحضاري و قيمه المجتمعية العليا التي يود الحياة في ظلها والعيش من أجلها ) ، لذا ومن هذا المنطلق فإن القصيدة المقاومة تعبّر عن نشوة حقيقية وشعور طافح بالقيم الاجتماعية.
والقصيدة المقاومة تُبنى عادة على الرفض للظالم والمحتلّ في سياق متّزنٍ مليء بالتفاؤل والوعي لما يقال أو يُكتب، وعادة ما تصبُّ في قالبٍ معيّنٍ خليليٍّ أو حديث لا ضير في ذلك إن كانت مضامين هذه القصيدة أو تلك تطفح بمعاني الحريّة، وطلب النصرة، والبحث عن الحق والحقيقة، ومن ثم رفض الظلم بكل صوره، كل هذا يكون في صورة من الموروث القِيمي والأخلاقي المتّسم بالصدق في العاطفة، المتأجّجة المشاعر المتنوّعة الأفكار المتّحدة في السياق الشعري، وبالتالي البعيدة عن التصنّع والتلفيق.
هذه هي القصيدة المقاومة التي ننشدها في ظلّ وجود الانحراف الفكري والعقدي لدى الكثير من الشعراء اليوم الذي يفضّلون التطبيل والتزمير ويُحسنون النفاق البلاغيّ اللامسؤول، زارعين بأيدهم أشواك الندامة ما بين زهور جماليات الحرف، متوغلين في الإسفاف الشعري المقيت الذي لن ينبت يوماً بزيتون الوعي ونخيل الولاء على بستان مستقبل أمّتهم ومجتمعهم.
وفي مبادئها تكمن السِّمات
إن ما يميز الشعر المقاوم أنه يصطف إلى جانب أخوته من أنماط الأدب المقاوم الأخرى، ليرسم لوحة النصر الآتي المشحون بالأمل الذي يُنبئ عن وعْدٍ قادمٍ ينشر مفاهيم الرسالة والانتماء لهذه الأرض المقدسة، وفي ظل يوم القدس العالمي الذي أطلقه الإمام الراحل رصاصةً في قلب العدوّ المحتلّ يمكننا أن نعيد بالقصيدة روح المقاومة ونضمّد ببلسم حروفها الجراح العربية النازفة، وذلك لأن  "الشعر المقاوم" هو الذي يستنهض الأمة من سباتها و يوقظها من نومها العميق, و يعمل على تحريك المشاعر و الأحاسيس وهي مخرجات لا تتأتى إلا بوجود عوامل تحفيز كالاحتلال و الغزو و الاضطهاد الذي تتعرض له الدول و الشعوب
ولئن كانت القصيدة المقاومة في الشعر العربي تتسم بالأصالة والفكر معاً، والتوهّج الثوري، جامعةً في أسلوبها الثرّ كل الميزات الإنسانية، إلا أننا نجد أنه وبعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية وبزوغ نجم الإمام الراحل فإن القصيدة المقاوِمة أخذت أبعاداً أخرى في هذا الشأن وضمّت إلى تلك السمات الراقية سمة التضحية والبحث عن الكرامة المفقودة في سنوات الضياع، إضافة إلى الوعي السياسي المفضي لفتح باب الأمل وكسر طوق الخنوع الذي وضعه الغرب على عاتق الأمة من جرّاء الخوف من أسطورة الجيش الذي لا يُقهر
وهذا ما أعطى للشعر المقاوم الأبعاد الإنسانية التي تجمع أصحاب كل الديانات من العرب تحت مظلة واحدة هي الانتصار الجماعي ومعرفة الأخر من خلال ما يُحسه من اضطهاد وقهر، سواء ما يعود على الفرد أو المجتمع، وهو بذلك يَسُنُّ لنا وللأجيال القادمة طريق العزة والكرامة والإباء.

ملامح الأدب المقاوم عند الشاعر

ويبدو ان كل هذه المفاهيم تجمعت فى شعر الشاعر عبد المجيد فرغلى , ذلك الشاعر الذى وجه خطابه الشعرى وجهة قضايا الوطن واثبت فى هذا الخطاب للقصيدة الثورية مكانتها داخل هذه الخطاب, واستطاع بوعيه السياسى والجمالى ان يشكل من القضايا الملحة أيقونات شعرية ضاربة فى عمق الخطاب فيرصد, قضية الانتفاضة الفلسطينية فى قصيدة "الحجر الغاضب" رصدا شعريا يبتعد عن الخطابة الشعرية ويمتد داخل إطار شعرى كاشف عن الوعى السياسى لدى الشاعر ومختزل المسافة بين الوعى السياسى والوعى الشعر, فهو يقول فى هذه القصيدة
أقوي من النار هذا الثائر الضــجر … لا مدفعا ثار:لاصاروخ:بل حجر
في صرخة من أوار النفس فجرها … شعب به ثورة الاحقاد تنفـــــجر
هي النذير لسحق الظلم عن وطتن … في قلبة غضبة الأجيال تستـــعر
تفجر الغضب المكبوت في دمــــة …. ففي انتفاضة هذا الغاضب الظفر
ثمة قدر من العلامات اللغوية فى هذه الأبيات ينبئ بركيزة يتحرك وفقها الشاعر فى وعيه الباطنى, ثم تتبلور فى اتجاهين متفاعلين ومتكاملين, الأول هو الصياغة الخارجية والتى تمثلت فى خطاب صارخ للشعر يعتمد على ايقاع موسيقى متفجر ينتهى بقافية الراء المضمومة, مما يحول القافية إلى شحنة من غضب فى ايقاعها الحاد, وكأن كل راء مضمومة هى ضرخة بروح الانفاضة, والآخر هو المساحة الدلالية لهذه اللقطة الشاعرة التى تمجد الحجر بوصفة علامة بارزة فى تاريخ المقاومة الفلسطينية, وتعلى من قيمة الحجر على البندقية وتجعلها نذير انفجار أكبر فى رسالة يبعث بها الشاعر إلى العدو
ونحن حين نسعى للربط بين وعى الشاعر واختياراته اللغوية, إنما نريد أن نقدم مفاتيح البؤرة الدلالية الكبرى فى النص وهى الدعوة إلى الثورة والغضب, والتى استدعت طبيعة هذه البؤرة فى النص كله إحياء بعض المفردات من خلال تكرارها والتركيز عليها مثل مفردة " الغضب" ومفردة" الحجر" التى احتل كل منهما مساحة كبيرة فى النص بأشكال وسياقات لغوية مختلفة, مما يؤكد حضور الوعى السياسى الدافع إلى المقاومة ويدفع إلى اتساع الرؤيا السياسية عند الشاعر
ولذلك لاتمل هذه القصيدة تذكر بقضية فلسطين, وتنذر العالم كله بما يحمل وعى الشاعر من ثورة وغضب حيث يقول الشاعر فى ذات القصيدة:
نقول للعالم المعصوب أعينـــة … أتنظرون:أم أستغشي لكم بصر؟
جرائم الغاصب الباغي تطالعكم … من أرضنا وبوقر مسكم خــــــدر
تلك الحقيقة يرويها لكم وطـني … مما يعاني:ألم يبلغ بها خــــــــبر؟
قضيتي بين عين الكون ماثـــلة … وللفظائع يدمي القلب والنــــــظر
أتنصفون كفاحي :أم أحملكــــــم .. عواقب الصمت شعبي بات ينتحر؟
أتنصرون نضالي ضد مغتصبي … أم أشعل النار في الدنيا ولي عذر؟
ان تنصفوني تقم للسلم قائمـــة … أم تضرم الحرب لاتبقي ولا تــــــذر
وهنا توقظ القصيدة الهاجس الحقيقى للثورة والغضب ,وهو أولى بنا أن نوجه أنظار العالم اليه, وبخاصة القوى المساندة للعدو الصهيونى بما فى ذلك المزج بين صوت الشاعر وصوت الآخرين من خلال التنويع فى توظيف ضميرى المتكلم المفرد والمتكلم الجمع وضمير الغائب, فى إشارة إلى ضرورة أن نحمل نحن نفس رسالة الشاعر فى المقاومة, وهذ التوظيف استطاع الشاعر أن يمزج الماضى بالحاضر ليصنع صوتا متفردا للمستقبل الذى يراهن على الثورة والغضب وهو الرهان الاخير والوحيد كما يروى الشاعر " أتنصرون نضالى ضد مغتصبى أم أشعل الناتر فى الدنيا ولى عذر"
ولا يصيب اليأس نفس الشاعر, ولا يهدأ صوته فى سبيل التحريض على المقاومة حيث يقول:
أخى صار حقا علينا الفــدا.. وحق الجهاد: لقهر العــــــدى
فقد جاوزوا الحد فى جورهم.. وفى ظلمهم: قد تعدوا العدى
أتو بالذى فاق حد الخيـــــــــــال ..مذابح قتل: وجرم إعتـــــــــــــدا

والشاعر فى خطاب الآخر القريب هنا يستنهض الهمة, ويدفع إلى فعل المقاومة فهو يقدم الخطاب ويعلى من مبرراته فى محاولة منه للاقناع بضرورة جهاد العدو وكسر شوكته, ولذلك فهو يضخم صورة العدو للتحرض عليه حين يقول:" أتوا بالذى فاق حد الخيال مذابح قتل وجرم اعتدى" ولذلك فهذه القصيدة التى عارض فيها أبا القاسم الشابى تمثل إشارات تنضح بالألم والتحدى, وتدفع إلى الثورة والتحريض إثر محنة احتلال الكيان الصهيونى الأرض العربية وجراحات العرب المادية والفكرية
وفى قصيدة "ملحمة القدس" يتسع الخطاب ليشمل دوائر أخرى تستخدم مفردات الطبيعة المقرونة بالجمال, لتتحول هذه المفردات فى السياق النصى للقصيدة إلى مفردات اتخذت صور الخوف والفزع والقبح حيث يقول الشاعر:
وَقَد قَطَعُوْا غُصْن طَيْر الْسَّلَام .. وَطَيْر الْرِّبِّي فَر أَو سُـــهْدَا
أَمَّا قَطَعُوْا الْلَّحْن مِن دَوْحِــــه .. فَمَن غُصْنُه الْطَّيْر مَا غَرِدَا ؟
أَحَس الْفَجِيْعَة تُدْمِي الْفــــُؤَاد .. وَتَعْتَصِر الْكَبِد الْأَمــــــــــْرَدَا
فَجِيْعَة شَعْب عَلَي أَرْضِـــــــــه.. بِه الْخَصْم نَكَل أَو شـــــــَرَدَا
وَلِلْقُدْس أَخْرَس طَيــــْر الْأَذَان .. فَمَا صَاح فِي الْفَجْر أَو غَرَّدَا
فالغصن والطير واللحن والدوح انزاحت من معطاها الجمالى فى الطبيعة إلى معطى آخر قصده الشاعر قصدا, لا من باب التسجيل والسرد, وإنما من باب تثوير النص والدفع إلى المقاومة ,من خلال التأثير النفسى فى المتلقى, وهذه الصور المجازية لمفردات الطبيعة ترتقى لتغدو لوحة رمزية متوهجة للموقف المعاصر من التخاذل تجاه القضية الفلسطينية, واطراف الصراع حتى إنه يقرن هذه القضية بالفجيعة والتنكيل والطير الأخرس وغير ذلك, مما يختزل المسافة بين الرمزية والدلالة
ويبدو أن التفاعل بين الشاعر والشعر المقاوم يتسع إلى حد يؤكد على حضور طاغ  لمعنى المقاومة فى نصوص الشاعر, وامتزاج هذا المعنى بروحه ووعيه ويمكن ان نستدل على ذلك من هذا المقطع الذى يقول فيه الشاعر
سَنْسْحَقَهُم بِيَد مَن فِـــــــــــــدَاء .. تُدَمِّر أَطْمَاعَهُم مَقْصــــــــِدَا
سَنَمْضِي الَي الْنَّصْر مُسْتَبْسِلِين .. وَلَن نَّتْرُك الْجَمْر أَن يَبــــْرُدَا
سنَّرْدي الْقِلَاع وَنُغَشي الْتِّــــلْاع .. وَنَطْوِي الْشِّرَاع ..وَأَن نْفَردّا
وَنَبْلُغ مِن زَحَفْنَا شَــــــــــــــأْوُه .. نَشِق الْفَلَا فَدْفَدَا .. فَدْفَــــــــدَا
بِبَحْر الْصِّرَاع نَخُوْض الْغِمَــــار .. وَلَن نُقْبِل الْعَار مُسْتَعْبــــــــــــَدَا
فحينما نقرأ هذا المقطع نشعر أن القيمة التعبيرية للنص تكمن فى هذا الصوت المرتفع الحاسم فى رسم دوائر المستقبل الممزوجة بالنصر, من خلال قوة الدفع الإنسانية والعسكرية التى ستسحق العدو لا محالة, وتدمر أطماعة ساعية الى تحقيق نصر مؤكد يمحو عار احتلال الأرض, ولذلك جاء تكرار حرف " السين" ليعطى إشارة واضحة على مسقبل محدد لا بديل عنه وهو النصر وهزيمة العدو, و هذا التكرار أيضا دليل على تأصل هذا المعنى فى وعى الشاعر ورغبته الشديدة فى إعلاء قيمة المقاومة عند كل فرد من أفراد الأمه, وهذا ما دفعه إلى استخدام ضمير الجمع فى دعم قيمة التكرار وحركته على المستوى الشعرى الجمالى والمستوى الدلالى
وفى قصيدة " بلا مستوطنات"
أَرْضِنَا الْعَرَض الَّذِي نُفْنِي .. وَإِن مُتْنَا ظِـــــــــــــلّا
نَحْن مَازِلْنَا أَوَّل بــــــــَأْس .. وَعَزَم لَن يَقْـــــــــــلِا
أَرْضِنَا لَيْسَت مَجـــــــــــَالَا .. فِيْه نُرْضِي الْيَوْم قَوْلَا
حَبَّة الْرَّمْل بـــــــــــــــِرُوْح .. وَهِي فِي الْتَّقْدِيْر أُغْلِي
أَيُّهَا الْزَّاعِم أَنـــــــــــــــــــَا .. مَلَلْنَا الْحَرْب كـــــــــَلَّا
نَحْن فِيْهَا قَد وُلِدْنَـــــــــــــا .. مُنْذ مَاضِيْنَا اسْتَهِـــــلّا
نَحْن جُنْد الْعَرَب دَوْمَــــــــا .. نُقْهَر الْخَصْم المـــــُدَلا
مَا فِلَسْطِيْن لِبــــــــــــــــَاغ .. سَام بَاغِي الْسَّلَم قَتـــْلَا
أَيُّهَا الْقَاتِل عَمــــــــــــــــْدا .. إِخْوَتِي شَيْخا وَطِفْـــــلَا
وَفَتَاة الْخِدْر أُخْتــــــــــــــِي .. وَمَذِيق الْأُم ثُكــــــــــْلَا
هنا يدخل الشاعر دوائر أخرى فى الادب المقاوم حيث يساوى بين الارض والعرض فى القيمة الانسانية والرمزية, وبناء على هذا الخطاب يتأسس النص على الثورة والتفجر فى وعى المتلقى ,فكل حبة رمل بروح بل هى أغلى, وهنا يزواج الشاعر بين خطابين: خطاب الآخر القريب الذى يحرص على دفعه إلى المقاومة من خلال استدعاء الذاكرة الجمعية  للمورورث الشعبى الذى يجعل الأرض مثل العرض متكئا أيضا على ضمير الجمع فى الخطاب, وفى هذا المستوى يبدو الإيقاع الشعرى هادئا متوازنا, والمستوى الثانى خطاب الآخر الغاصب الذى يروم الشاعر إلى تخويفه وتهديده مخاطبا إياه بيا أيها الزاعم, ويعلو الخطاب الشعرى هنا بقدر ما تحمل الذات الشاعرة من غضب مستدعيا أيضا تاريخ الأمجاد العربية القديمة من الانتصارات والفتوحات التى استدعاها الموقف الفكرى والنفسى عند الشاعر " نحن جند العرب دوما نقهر الخصم المدلا", ولا شك أن  التركيب الخبرى هنا أكد هذا المعنى بما يحمل من خصائص تقريرية وتوكيدية, وتعمل على تقاطع خطوط رحلة الازمنة والوجوه التاريخية والبقاع الممتدة معها أنفاس القضايا العربية,
ويستخدم الشاعر طاقة التاريخى فى تدعيم الخطاب الشعرى المقاوم حين يستدعى صلاح الدين ذلك الرمز التاريخى المقترن بالقدس فى أذهان الوعى الجمعى, ولكن الاستدعاء هنا لم يكن استدعاء استصراخ  لصلاح الدين بقدر ما كان استدعاء استنهاض  لهذة الأمة العاجزة عن أن تقاوم عدوها وذلك حيث يقول:
تحرك صلاح فحطين أخرى.. تناديك والسابقين افتـدا
وقدسك بين شباك العـــــداه.. أسنوا الشفار لها والمدى
ولعل هذا الاستصراخ الضدى عند الشاعر ينبئ بتغيرات الأيام واستشراف مستقبل تتحرر فيه القدس بفعل المقاومة الصادقة, وهذا ما يبرر استدعاء الاشفار والمدى والشباك للتاثير فى واعية المتلقى
وفى قصيدة " وتبقى فلسطين" يأتى السياق المشهدى الذى ينادى العرب بشكل مباشر ويدفعهم إلى المقاومة ومساندة فلسطين,  وإن كان يبدو سياق القصيدة فى ظاهره سياق مودة  الا انها تضمر فى باطنها مفاتيح الثورة والغضب حيث يقول
فَيَا جِيْرَة مِن بَنِي يَعْـــــرُب .. فِلَسْطِيْن مَدُّوْا الَيْهَا الْيـــــَدَا
وَكُوْنُوْا حَمَاة لَأَرْض لَهَــــا … تَصُن أَرْضِهَا وَتَوَقِّي أَعْتَدَا
فَفِي ضَفَّة غَرْب أَرْدُنِهـــــــا .. وَقَلْقِيلِيا وَجَنِيْن الْفِـــــــــــدْي
اذَا الْصَّوْت صَاح قَوِيّا فَدَيْت .. أَجَاب الْصَّدِي الْصَّوْت أَو رَدَّدَا
وهنا ياتى الشاعر بما يعرف بالتدرج فى الخطاب من المودة إلى الثورة حتى يصل إلى التجريد الثورى فى خطابه" فإذا الصوت صاح قويا فديت أجاب الصدى الصوت أو رددا" وهنا تتحول الصورة الأليفة فى خطاب الأخوة العرب الى الغرابة فى تهيئة الأجواء المأسوية للخطاب الدال على تحميل الوعى الباطن للشاعر بالمقاومة والسيطرة عليه
ثم ينتقل الشاعر إلى القضايا السياسية أيضا حين يصف شارون وأفعاله المستمدة من تاريخ اليهود القديم فى إشارة منه إلى أن القوة هى الفاعلة مع اليهود على مر التاريخ وهى الخيار الوحيد لتحقيق النصر وذلك حيث يقول:
أشارون يا عجل ذا السامرى.. خسئت خوراً وخاب الصدى
وما كان شارون إلا كبــــــان.. لقـوم له القبـر والملحــــــدا
وحين يساوى الشاعر بين شارون وعجل السامرى, فإن هذا التوازى فضلا عن أنه يختزل التاريخ يمتد إلى السخرية والتهكم من أفعال شارون التى لا تخرج عن كونها أفعال حيوان لا يعقل ولا يعى وما مصيره هو وقومه الا القبور من خلا ما يبنون من مستوطنات سوف يدفنون فيها, وهنا يراهن الشاعر على ان ينسرب هذا الموقف الى كل انسان يعى الواقع السياسى ويدرك ابعاده فيضعه امام خيار واحد هو خيار المقاومة الذى لابديل عنه

وفى قصيدة "رثاء عبد الناصر"
يستدعى سياق الرثاء من ذاكرة الشاعر هذه اللمحة التى تعرى الواقع وتكشف عن تردى العرب تجاه قضاياهم الوطنية والسياسية فى مشهد شعرى باك اعتمد على استفهام شجنى حيث يقول الشاعر
من للحياري التائهين؟ .. علي بديد مراقـــــــــد؟
وقنابل "النابلـــــــــم" .. تمطرهم بموت حاصد
والموقف العربـــــــــي .. بين تخاذل وتقاعــــــد
متأجج الجنبــــــــــــات .. بين تفكك وتباعــــــــد
من مستهين بالأمــــور .. وذي شعور بـــــــــارد
وتبدو مرجعية الشاعر هنا عمقه السياسى وقراءته الثاقبة للواقع المهزوم اللاهى عن قنابل النابلم التى تمطر الحيارى التائهين  العاجزين بفعل التخاذل العربى هنا يأتى الاستفهام الشجنى الذى تأسس عليه هذا المشهد محفزا على التعاطف والثورة والمقاومة ومبررا شرعية هذه المقاومة
من هنا نستطيع أن نحدد ملامح أدب المقاومة عند الشاعر عبد المجيد فرغلى من حيث التنويع بين التسجيل والتقرير والرصد والمزج بين التاريخى والواقعى والاعتمدا على الاسلوب المشهدى فى رسم ملامح العدو ويؤسس لفاتحة دالة على الحزن العميق ووصف الحالة التي آلت إليها الأوضاع في فلسطين, وتمهد لانفتاح النص على خطاب ذاتي وتاريخي واجتماعي يصف الحالة ويؤكد على عمق المأساة, مستخدما مفردات المقاومة  من مثل ´القتل / الارهاب/ الأرض /  العرض  وغير ذلك" بما يشير إلى أن الشاعر يؤكد شعرية الحالة ووجوديتها في آن، ويكشف عن علاقة القصيد بالواقع المنهار ومن خلال النصوص يكشف(العنصر الذاتي) بموضوعية في شكل منطقٍ شعري/ خصوصي/ يتجه نحو الإنسان ونحو الأفكار في آن واحد , وتكمن تأويليته في دنوها الواضح من المتلقي، بلا ترميز غامض، وكأن نصوصه بقدر ما تكشف، تحكي، وتؤكد، امتداداً وفضاءً مفتوحاً لفعل المقاومة، والدافعة في ذات الوقت نحو الحالات التي ترصدها النصوص
فيجوس الشاعر في الذات، ثم يوصف المكان المهزوم من خلال انطباع ذاتي.. مأساوى, لذا يدخل منطقة الموضوعي شعراً، كضرورة، يعتقدها لازمة في إيضاح  ويلاحظ أيضا الفهم لصياغته الشعرية ، مستبعداً الاحتمالية أو التأويلية وإنما يضعنا مباشرة أمام التاريخ والجغرافيا حتى يدفعنا إلى المقاومة من خلال نصوصه الشعرية, حتى إن النصوص عنده تتحول إلى لوحات من(طبيعة): بشرية/ وحياتية، واختلاجات، تتراتب جملة، جملة، ومقطعاً مقطعاً، بقصيدة طويل تزيد على المائة بيت فى كثير من نصوصه التى تعرضت للمقاومة- كأنها كتلة لهب- ذات إيقاعات جمالية مساعدة، ورؤي، وقص..، قصيدة مديدة، وتلك هي تحكمية آلية الكتابة لدى الشاعر فشعره لا ينفلت عنه، بل يصاغ بوعي موضوعي حيث تجد تلك القرابة المتلازمة بين جملة وأخرى وبين مفردة وأخرى في تعالق نصي عجيب تفضى كل مفردة إلى أخرى في تشكيل حجم المأساة
 وهكذا يستمر الشاعر في كشف منطقة اشتغاله(الشعري/ النوعي/ الخصومي) عبر ثنائية العنصر الذاتي والموضوعى هو- دائماً- ظرف الخطاب ووجهتة
والشاعر فى نصوصه، لا يسعى إلى"زيادة القول" بل يقربها إلى ذاكرة الحاضر مستبقاً الكمال، وتحريك الإرادة القوية على نصرة أهله، مرات في الشعور بالخيبة والأسى، ومرات بتساؤلية تدفع ميزات النص إلى الظهور الواضح، عبر مزدوجات ثنائية: (الموت أوالحياة) ليفتح بذلك وعيا جديدا في تلقى نصوص الحالة الشعرية الواقفة عند حد الوطن بما تحمل من ميزات جمالية وإيقاع موسيقى هادر يناسب وطبيعة الفوران الشعري في الحالة المقاومة ,ولغة صاخبة معظم حروفها مفخمة كاشفة عن بركان الثورة في الذات الشاعرة , هنا يبدو الجرح جرحين جرح الشعر وجرح المتلقي في دائرة شعرية توصف بالجمال والثورة فى ظل ادب المقاومة الذى ينشده الشاعر من هذه النصوص






الأسلوبية وروادها عربياً
رؤية في إشكالية دراساتنا الأسلوبية
بقلم / عبد الحافظ بخيت متولى
الأسلوبية هي منهج نقدي لساني تقوم على دراسة النص الادبي دراسة لغوية , لاستخلاص اهم العناصر المكونة لادبية الأدب إذ تجعل منطلقها الاساس النص الادبي اي أن الاسلوبية تنطلق من النص لتصب في النص أو كما يقال : قراءة النص بالنص ذاته وتنقسم
الاسلوبية الى أنواع تبعاً للمدارس النقدية منها الاسلوبية التعبيرية والاسلوبية الادبية والاسلوبية الاجتماعية النفسية والاسلوبية البنائية وغيرها من الاسلوبيات النظرية , أما أبرز رواد الاسلوبية الادبية عربيا فهو الدكتور محمد الهادي الطرابلسي والدكتور محمد عبد المطلب والدكتور صلاح فضل والدكتور شكري عياد والدكتور عبد السلام المسدي, ولعل أهم كتاب نظري تناول الأسلوبية بدقة هو كتاب الأسلوبية والأسلوب لعبد السلام المسدي وكتاب آخر أقل قيمة منه هو كتاب: علم الاسلوب مبادئه واجراءاته , لمؤلفه صلاح فضل , أما الكتاب الاول فقد تناول فيه عبد السلام المسدي تطور هذا المصطلح عند النقاد والاسلوبيين في الغرب أمثال تشومسكي ودي سوسير ورولان بارت ومايكل جاكبسون وقد قسم هذا الكتاب الى ستة فصول , ختمه بكشف كامل لأهم المصطلحات الاسلوبية في الغرب مثل: الانزياح والانحراف والمجاورة والتناظر والتضاد والتوازي والتماسك والتكثيف والازدواج وغيرها من المصطلحات‏
أما الكتاب الآخر فقد ركز فيه صلاح فضل على أهم المدارس الاسلوبية في الغرب وعلى أهم الاجراءات الواجب توفرها في أثناء دراسة النص الادبي دراسة اسلوبية إلا آن ما يؤخذ على هذا الكتاب غموض منهجه وصعوبة فهم مصطلحاته نتيجة غموض المناهج التي أخذ عنها.‏
أما أفضل دراس اسلوبية عربية جمعت الاتجاهات النظرية والنصوص التطبيقية كتاب خصائص الاسلوب في الشوقيات لمؤلفه محمد الهادي الطرابلسي منشورات الجامعة التونسية عام1981 حيث تناول فيه أشعار الشاعر الكبير أحمد شوقي تحليلا وتطبيقا فبدأ بالايقاع الذي تولده نصوصه الشعربة من قوافي وجناس وطباق وتقطيع ثم تناول فن المقابلة وخصائصها كالمقابلة السياقية والتركيبية واللغوية وخلص الى النتيجة التالية:‏
ان فن المقابلة في شعره من أهم المقومات الشعرية التي تغني نصوصه وقصائده على الصعيدين اللفظي والدلالي معا كما تناول دلالة الكلمات كالرمز والصورة الشعرية والتشبيه والتشخيص والتجريد وخلص الى أن الصور الشعرية عند شوقي متنوعة منها البسيطة ومنها المركزة ومنها العنقودية ومنها الشبكية وهكذا جاءت دراسته شاملة وافية لهذا الجانب الاسلوبي التطبيقي وبناء على هذا تم طبع هذا الكتاب طبعة ثانية في مصر عن المجلس الاعلى للثقافة في عام 1996 وهو ما يزال الى الآن رائد الدراسات الاسلوبية على الصعيد العربي‏
وفي هذا الصدد لابد أن نشير الى بعض الجهود الاسلوبية التي قام بها كل من الباحثين والنقاد التالية اسماؤهم:‏
شكري عياد والدكتور محمد حماسة عبد اللطيف وسعد مصلوح الا أنها كانت مجرد اجتهادات اسلوبية بعضها وظف البلاغة وخلط بين المنهج الاسلوبي والمنهج البلاغي مثل الدكتور محمد عبد المطلب في كتابه: المذهب البديعي في شعر الحداثة, وبعضها اعتمد على المنهج الاحصائي مثل الدكتور سعد مصلوح والذي أخذ يرصد تردد المفردات والاسماء والصفات عند بعض الشعراء, فأبعد الجوانب النفسيه والجمالية والدلالية التي تتعلق ببنية النص الداخلية فبقيت هذه الدراسات جافة بعيدة عن الجو الشعوري والنفسي للنص الادبي, وبعضها الآخر تناول النص الادبي من وجهة نظر نحوية بحته مثل الدكتور شكري عياد, حيث أخذ يرصد العلاقات والروابط النحوية -على نحو ما فعل «فاينريش« في نظريته: تجزئة النص, فبدأ يفرّع النص ويفككه تبعا لعلاقاته وروابطه النحوية وهذا ما تبدى لنا في كتابه : دائرة الابداع وكتابه الآخر: اللغة والابداع, فعلى الرغم من أهمية هاتين الدراستين الا أنه غلب عليهما الجانب النحوي على الجانب الاسلوبي والبلاغي معا.‏
أما دراساتنا الاسلوبية في سورية فقد جاءت سطحية بالمقارنة مع الدراسات الاسلوبية في مصر والمغرب العربي باستثناء دراسات الدكتور كمال أبو ديب الذي يعد بحق رائد الدراسات الاسلوبية في سورية وخاصة في كتابه: جدلية الخفاء والتجلي الذي يعد تحفه اسلوبية لما يمتاز به من جدة واجتهاد , إذ انطلق فيه من بنية النص الداخلية وبالتحديد من ثنائياته الضدية التي تؤدي الى التوتر والانزياح في بنية نصوصه الشعرية ونشير في هذا المقام الى دراسة الدكتور عبد الكريم حسن في كتابه:‏
الموضوعية البنيوية التي تعد دراسة جيدة في مستواها الفني غير أنه سار على منهج فاينريش بتقسيم النص تبعا لعلاقاته النحوية مما أدى الى نفور المتلقي من هذه الدراسة وانصرافه عنها.‏
ماهي أهم مشكلات دراستنا الاسلوبية في سورية والوطن العربي:‏
المشكلة الاولى: هي تنوع المدارس الأسلوبية ومناهجها والخلط فيما بينها جميعا دون تحديد دقيق لهذه الدراسات وتبني المنهج والأخلاص له , فأخذ صاحب المنهج اللساني يمتد الى صاحب المنهج النحوي أو البنيوي وهكذا ..‏
المشكلة الثانية : هي أن أغلب دراساتنا الأسلوبية تتبنى المنهج الاحصائي الذي يؤدي الى عمليات حسابية غالبا ما تكون بعيدة عن شعرية النص وفضائه النصي , فتفقد هذه الدراسات قيمتها لأنها تفتت النص دون أن تستخلص قيمته الفنية أو وظيفته الجمالية .‏
المشكلة الثالثة : هي افتقار هذه الدراسات إلى التطبيق الأسلوبي المنهجي الدقيق , وقلما نجد دراسة أسلوبية تامة في التوليف بين الجانب النظري والجانب التطبيقي في دراساتنا في سورية , وفي الوطن العربي.‏
المشكلة الرابعة : هي تركيز نقادنا على ظواهر أسلوبية معدة مسبقا عند الشعراء , من هذه الظواهر : التناص والتضاد والتوازي والازدواج والأسطورة وغيرها من الظواهر الأسلوبية الأخرى . حتى ولو لم تكن هذه الظواهر متوفرة فعلا عند هؤلاء الشعراء , مما يؤدي الى غربة هذه الدراسات وعدم مصداقيتها بالنسبة للمتلقي /القارئ والناقد/.‏ إن مثل هذه المشكلات لن نتغلّب عليها إلا بإخلاصنا لمناهجنا وسعينا الدؤوب إلى توظيف التراث بما يتواءم وواقع حياتنا وموروثنا الثقافي وواقع الحضارة وثورتها العلمية , حتى نرتقي نقديا وأسلوبيا على الصعيد العربي وربما العالمي على المدى الطويل
نقدُ الشعر ومسؤولية الشعراء

                                                        بقلم / عبد الحافظ بخيت متولى
لا يُسأل شاعر عربي عن حال النقد في أيامنا إلا ويسارع إلى الشكوى من ضموره أو انحطاطه أو غيابه. ومعظم الشعراء العرب يمارسون الكتابة النقدية لسبب أو لآخر. وهم بذلك يشكلون جزءاً ليس بسيطاً من الحال النقدية التي يشْكون منها, وإن كانوا يميّزون كتاباتهم عن الدراسات النقدية ذات الطابع الأكاديمي, ومنهم من يترفّع عن الاتصاف بصفة الناقد. الشعراء يشكلون جزءاً من الحال النقدية حتى وإن لم يمارسوا الكتابة في مجال النقد, يشكلون ذلك بما لهم من مواقف وأحكام, وبما لهم من أذواق وتأثير في الذائقة العامة. لهذا يمكننا الكلام على مسؤولية الشعراء في تكوين الحال النقدية السائدة اليوم.
يمكننا الكلام على هذه المسؤولية من ناحيتين: الأولى تتعلق بواقع الشعر نفسه, والثانية تتعلق بملاحظات عن أغراض بعض الشعراء وتصرفاتهم. في الناحية الأولى نستطيع القول ان الساحة الشعرية العربية باتت مستباحة لاعداد كبيرة من كتّاب الشعر, الذين لا يملكون - في غالبيتهم - المقوِّمات الكافية للكتابة. هؤلاء الكتّاب لا يتورّعون عن الإدلاء بدلائهم في مجال النقد, ويجدون في وسائل الإعلام فرصاً للتعبير عن اتجاهات شعرية يتوهمون أنهم في سياقاتها. وغالباً ما ينضوي هؤلاء الكتّاب في تكتلات "صغيرة" أو كبيرة, تحكمها علاقات شخصية لا شأن لها بأي أمر فني. من كل ذلك تخرج كتابات نقدية ضحلة, تتناسب في ضحالتها مع الكتابات الشعرية لأصحابها. وفي هذا إساءة للمشهدين الشعري والنقدي على السواء.
في الناحية الثانية, نستطيع القول ان بعض الشعراء ممّن يمارس الكتابة النقدية ويملك الكفايات المطلوبة لها, ينجرّ أحياناً, أو غالباً, وراء أغراض لا تمتّ بصلات قوية الى مواقفه أو قناعاته الفنية, فيكتب المقالات - القصيرة أو المطولة - في مديح هذا أو ذمّ ذاك, لتصفية حسابات ضيّقة, يتوخى منها الكسب أو الانتقام. ولا يخفى على قارئ مثل هذه المقالات ما فيها من ممالأة أو مجافاة للصدق. وهذا أيضاً يُسيء أبلغ الإساءة للمشهد النقدي, بل يجعله مليئاً بالزّيف, ويتركه على هامش الحياة الثقافية, لا يكاد يلتفت اليه أحد. وإذا كانت له تأثيرات على الشعر فإنها تأثيرات سلبية أو مفسدة.
اذاً, ليس لكتّاب الشعر ان يُلقوا المسؤولية عن تقهقر النقد على المنصرفين إليه أو المتخصصين فيه, فمسؤوليتهم هم ليست بسيطة في العمل على خلق حركة نقدية حقّة, تكون فاعلة وصادقة في طرحها الأسئلة العميقة على الشعر بخاصة, وعلى الأدب بعامة. وطالما كان الشعراء - على مرّ العصور - أصحاب الآراء الحاسمة في رسم الملامح الأساسية لاتجاهات الشعر ومراحله. ولو أخذنا على سبيل المثال تطوّر الحركتين الشعرية والنقدية في تراثنا العربي, للاحظنا ان الشعراء كانوا أصحاب النظرات الثاقبة والآراء السديدة في الحكم على النتاج الشعري منذ بداياته المعروفة في العصر الجاهلي, وذلك على رغم قيام حركة نقدية قوية ظهرت بوادرها في القرن الثالث للهجرة.
لقد أنتجت الحركة النقدية العربية في العصور العباسية نظرية عامة في الشعر سمّيت "عمود الشعر". ولكن على رغم ذلك كان للشعراء, ومعهم الفلاسفة, إسهامات نقدية أثّرت على نحو أكثر عمقاً من إسهامات النقّاد أنفسهم. وفيما كان النقّاد يسعون الى تحديد الشعر وتقييده بالمعايير والمقاييس, كان الشعراء يقومون بتحريره وإطلاقه الى آفاق جديدة. ويكفي ان نذكر هنا ما قام به أبو تمام في الشعر, وما رُوي عنه من آراء تذهب في تقويمه وفهمه أبعد من النقد. وكان لمختاراته في "ديوان الحماسة" أبعاد نقدية مهمة.
أما في الآداب الأجنبية, فيمكننا ان نجد النماذج الكثيرة من الشعراء النقاد الذين لم يكتفوا بتقديم الآراء النقدية, وإنما تعدوا ذلك, الى إرساء نظريات أثّرت عميقاً في الأدب, وفي الشعر خصوصاً. نذكر على سبيل المثال الشاعر والناقد الفرنسي بول فاليري, الذي قدّم من المسائل النظرية ما أعطى اشارات لمّاحة للنقد الغربي الحديث. ونذكر ايضاً الشاعر والناقد ت. س. إليوت, الذي عد رائداً للحداثة الشعرية المعاصرة, والذي دعا الى منهج في النقد الأدبي عرف بالمنهج "الاتّباعي", الذي يقول إن النقد ينبغي ان يكون تابعاً للأدب, يعمل على توضيحه وتفسيره وتقويمه, وليس له ان ينافسه في الابداع كما تريد له بعض الدعوات في اتجاهات نقدية اخرى.
ومن الظواهر النقدية التي نشهدها يومياً, تلك المتابعات او المراجعات التي تفتح لها الصحف صفحاتها الثقافية. ومن حيث المبدأ, قد تكون مراجعة الكتب الصادرة حديثاً ذات فائدة ملموسة وتراكمية, لما تنطوي عليه من رصد وتقويم للنتاج الجديد, وتالياً لما ينبغي ان تؤدي اليه من تحديد للمستجدات او المتغيرات في الحركة الأدبية. هذا من حيث المبدأ, ولكن ما يحصل فعلاً لا يؤدي - ويا للأسف - المهمة المشار اليها.

ما يُكتب من نقد صحافي هو في معظمه شهادات قاصرة أو مزيفة. الأولى, اي الشهادات القاصرة, نقصد بها تلك الكتابات التي يكتبها اشخاص متطفلون على النقد, وهم كثر في ساحتنا الثقافية التي تسودها الفوضى, وتبدو سائبة لكل من يرغب في ارتيادها, أو حتى في تصدرها. اما الثانية, اي الشهادات المزيفة, فنقصد بها تلك الكتابات التي تصدر عن كتّاب متخصصين, اي معنيين بشؤون الأدب والنقد, ومنهم شعراء وروائيون... وغير ذلك. ومن المؤسف ان الكثيرين من اصحاب هذه الكتابات يملكون القدرة على اعطاء آراء نقدية ذات قيمة, اي انهم على قدرٍ كافٍ من المعرفة بالمقومات الاساسية للكتابة النقدية, الا انهم يفتقرون الى ما يكفي من الاحساس بمسؤولية الكتابة في هذا المجال, وبسبب من ذلك نراهم يستعملون النقد في الصحف, وخصوصاً مراجعة الكتب, لأغراض أو منافع شخصية. نراهم يهدفون من خلال كتاباتهم النقدية الى إقامة علاقات تبادلية, لا تعود على النقد الأدبي بأي نفع, بل هي تعود عليه بالضرر, كما سنبيّن بعد قليل. انطلاقاً من هذا كله, سمّينا كتاباتهم بالشهادات المزيفة, لأن الواحد منهم لا يتورع من امتداح كتاب رديء, أو من التهجم على كتاب جيد, متبعاً في ذلك هواه أو نزوته او مصلحته, متناسياً انه بذلك أنما يفرّط بجوهر القيم الثقافية التي ينبغي له, من حيث المبدأ, ان ينذر نفسه وجهده لها.
قد يقول قائل ان ما يُكتب في صفحاتنا الثقافية لا يثير إلا اهتمام حفنة من القراء المعدودين, وإن بعض المقالات النقدية لا تعدو كونها رسائل شخصية موجهة من كتّاب هذه المقالات الى اصحاب الشأن, من مؤلفي الكتب خصوصاً. وتالياً قد يضيف القائل ان كل ما يُكتب في صفحاتنا الثقافية, أو معظمه, ليس له قرّاء, وهو في النهاية من دون جدوى, ليس له منفعة ولا ضرر. انه في النهاية نوع من الهدر, من اضاعة الوقت والجهد.
من الممكن التعليق على مثل هذه الأقوال بأنها صحيحة في جانب كبير منها. ولكن من الممكن القول ايضاً إن هنالك مظهراً من مظاهر الضرر المترتب على تلك الكتابات النقدية (الصحافية), قد لا يكون ملحوظاً على نحو مباشر, ولكن له تجلياته السلبية في نواحٍ قد تخفى على الكثيرين, حتى من المعنيين أو من الذين يعتقدون بأنهم معنيون بهذا الآمر أو ذاك من أمور الثقافة. في ما يأتي, نعطي مثالاً على تلك التجليات السلبية.
بعض الباحثين, وخصوصاً من طلاب الجامعات في مراحل الدراسات العليا, يلجأون أحياناً الى مقالات الشعراء وغيرهم من الأدباء ليستعينوا بآرائهم في ما يقومون به من ابحاث أو دراسات. ففي هذه الحالات, تكون المراجعات النقدية للكتب الصادرة حديثاً, والمكتوبة بأقلام بعض الكتاب ذوي الاسماء المكرّسة أو المعروفة, مراجع لأولئك الطلاب, الذين يصعب عليهم ان يميزوا بين الآراء السديدة والآراء المزيفة التي يرجعون اليها. ومثل هذا التمييز يصعب ايضاً على الكثيرين من اساتذتهم. اي تضليل اذاً, هو ذلك الذي يتعرّضون اليه في رجوعهم الى ما يصادفونه في شهادات الأدباء بعضهم في البعض الآخر؟
لقد بات من العادي والمستهلك الحديث عن أهمية النقد بالنسبة الى الأدب, والى الثقافة بعامة. واذا كانت الشكوى من ضمور النقد قائمة عندنا, فإنها تعبّر عن مشكلات مختلفة في وضعنا الثقافي. وفي ما يتعلق بالشعر ونقد الشعر, على وجه التحديد, رمت هذه المقالة الى التركيز على مسؤولية الشعراء العرب المعاصرين في ما آلت اليه الحركة النقدية عندنا. فهؤلاء الشعراء ليس لهم ان يتنصلوا مما يشكون منه حيال النقد, وإنما عليهم ان يبذلوا الجهد الكافي لامتلاك القدرة على التقويم والتمييز والنظر الى التجارب الشعرية برهافة وتجرّد. عند ذلك, يفتحون أمام الحركة النقدية سبل النموّ والتطوّر.
أدب الطفولة , مفهومه وأهدافه ومراحله:

بقلم / عبد الحافظ بخيت متولي
تحتاج الطفولة العربية اهتماما متزايدا في هذه المرحلة التي تتسم بتزاحم مشاغل الحياة والدخول في عالم التكنولوجيا الحديثة وما تفرضه  طبيعة المرحلة من إهمال للطفولة العربية  في الوقت الذي تحتاج فيه هذه الطفولة إلى نظم تربوية وبنى تثقيفية محددة قادرة على بناء هذه الطفولة بناء سليما يؤهلها لمواجهة تحديات العصر في المستقبل ومن ضمن هذه النظم ما يسمى بأدب الأطفال وهذا اللون من الدب لابد ان يكتب بعناية ولا يصلح فيه من يعرف ومن لا يعرف وإنما يحتاج إلى متخصص وتربوي لأنه أصعب أمرا من أدب الكبار.
يعرف أدب الأطفال بأنه الكلام الجيد الذي يحدث في نفوس الأطفال فنه سواء أكان شعراً أم نثراً، وسواء كان تعبيراً شفهياً أم تحريرياً، ويدخل في هذا المفهوم قصص الأطفال ومسرحياتهم وأناشيدهم ويقول آخرون أن أدب الأطفال هو كل خبرة لغوية ممتعة وسارة لها شكل فني يمر بها الطفل ويتفاعل معها فتساعد على إرهاف حسه الفني ويعمل على السمو بذوقه، ونموه المتكامل وتساهم في بناء شخصيته، وتحديد هويته، وتعليمه فن الحياة.
وفي ضوء النظرية الأدبية الحديثة نستطيع أن نقدم تعريفاً اقرب لطبيعة الأدب ووظيفته فنقول : إنه تشكيل لغوي فني ينتمي لنوع أدب سواء أكان قصة أم شعراً مسرحياً أم شعراً غنائياً يقدمه كاتب تقديماً جيداً في إطار متصل بطبيعة الأدب ووظيفته اتصالاً وثيقاً ويتفق وعالم الطفولة اتفاقاً عميقاً.
والأدب بهذا المفهوم يجب أن يراعي خصائص الطفولة ويتدرج بها إلى الكمال عن طريق إشباع احتياجاتهم في إطار المثل والقيم والنماذج والانطباعات السليمة، وعليه فإن " أدب الأطفال " في مجموعه هو الآثار الفنية التي تصور أفكاراً واحساسات وأخيلة تتفق ومدارك الأطفال، وتتخذ أشكالاً متعددة، كالقصة، والشعر المسرحي، والمقالة، والأغنية وغيرها وتكون قائمة على معايير أخلاقية، ودينية، واجتماعية، لا تنفصل عن المعايير الفنية، لأن الأدب هو التعبير عن حضارة الإنسان، والحضارة التي لا تقوم على قيم دينية وأخلاقية، حضارة عرجاء تحكم على نفسها بالإنهيار مهما بلغت من الرقي المادي.

أهداف أدب الأطفال :-


1- التعليم هدف من أول أهداف أدب الأطفال.
2- تنمية الجانب المعرفي عند الأطفال، وذلك بإمدادهم بثروة لغوية هائلة.
3- تنمية التفكير والذاكرة عند الأطفال، والقدرة على ربط السبب بالنتيجة.
4- تنمية الأحاسيس والمشاعر والمهارات، والذوق الفني عند الأطفال.
5- معالجة بعض العيوب اللفظية والأمراض النفسية عند الأطفال مثل التلعثم، والتأتأة، والخوف، والخجل من مواجهة الآخرين.
6- تخليص الأطفال من الانفعالات الضارة كالعنف بأنواعه، والعدوان وغيره من الانفعالات.
7- تنمية روح النقد الهادف البناء عند الطفل وتنمية قدرته على التمييز بين الجيد والردئ.
8- تعليم الأطفال أشياء جديدة تساعد على فهم الحياة والتكييف معها.
9- تهذيب أخلاق الأطفال بما تتضمنه النصوص الأدبية من قيم إيجابية ومثل عليا نبيلة مثل : القيم الاجتماعية وتتضمن وحدة الجماعة الظرف واللطافة، وقواعد السلوك مثل : التواضع، الأخلاق، الصداقة، العدالة، الطاعة، والقيم الوطنية مثل : حرية الوطن، وحدة الأقطار العربية، والقيم الجسمانية كالطعام، والراحة ، النشاط والصحة، والقيم الترويحية وتتضمن الخبرة الجديدة الإثارة والجمال، والمرح.
10- تنمية خيال الطفل وتربية ذوقه وتوجيهه للتعليم وتنمية قدرته التعبيرية وتعويده الطلاقة في الحديث.
11- الشعور بالمتعة والراحة والاستمتاع لسماع القصص وغيرها من ألوان الأدب الأخرى.
وهنالك أهداف أخرى منها :
الاعتقادية : وتشمل تلقين الطفل كلمة التوحيد وترسيخ حب الله تعالى وحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعليم القرآن، وبيان حقيقة الإنسان ومكانته في الأرض.
التربوية : وتشمل أمرين مهمين وهما البناء، كبناء النفس وتعهد الفطرة البريئة على أسس إسلامية. والحماية، عن الإنحراف، والعبث، والضلالات الفكرية، والفساد.
التعليمية : تزويده بالثقافة بمعناها الشامل.
الجمالية : لتحقيق الجمال النفسي في سلوكه، وإنتاجه، وتذوقه.

مراحل أدب الطفل الزمنية :
قسم المؤرخون وعلماء النفس المراحل التي يبدأ فيها الطفل بالمعرفة والأدب إلى عدة مراحل أذكر بعض منها باختصار وهي :
المرحلة الأولى : مرحلة ما قبل الكتابة من 3 – 6 سنوات ويطلق عليها "الطفولة المبكرة " وفي هذه المرحلة يتمكن الطفل من سماع القصص ويتعامل مع الأشياء المحيطة به ويحاول أن يقلد الكبار وفي هذه المرحلة يمكن تقديم نوع من الأدب المسجل والبرامج المعدة بالصوت والصورة وفق شروط تتناسب مع هذه المرحلة لأن الطفل فيها محدود الخيال والفكر ومن هنا تكمن خطورة المسلسلات الكرتونية والقصصية بدون ضوابط تؤثر في عقيدة الطفل وسلوكه وفي هذه المرحلة يكتسب الطفل من أسرته الكثير من الآداب الاجتماعية والأخلاق الإسلامية الفاضلة.
المرحلة الثانية : مرحلة الكتابة والقراءة المبكرة (المدرسة الإبتدائية وتكون ما بين (6-8) سنوات وفيها تزداد خبرات الطفل ولا سيما الأشياء الخاصة ببيئته (الأسرة والحي) ويبدأ بالخروج عن نطاق الأسرة والتعرف على الأشياء الجديدة وهو شغوف باكتساب الخبرات وسريع بالتأثر بما يراه ويسمعه ويهتم بالتعرف على الكثير من الأمور العملية وفي هذه المرحلة يقدم للطفل نوعاً آخر من الأدب من القصة والشعر والعرض الأدبي من أنواع الثقافة لتكوين العادات النافعة وغرس القيم الثابتة عن طريق ربطها بالأحداث الواقعية ونفتح أمامه مجالات التفكير في مظاهر الحياة والكون للربط بين الأسباب والمسببات وهذا يساعد على بناء شخصية الطفل، وتكوين عاداته وشحذ فكره ومنحه المكانة والتقدير والاهتمام.
المرحلة الثالثة : مرحلة التمكن من القراءة والكتابة " المدرسة الإبتدائية وبداية المتوسطة ".
وهي ما بين 8 – 12 سنة وفيها تبدأ شخصية الطفل بالظهور والتميز ويميل إلى الاعتداد بالنفس والقوة، والتفرد بالمواقف التي تميزه عن الآخرين واستخدام خبراته السابقة في ابراز قدراته وشخصيته ومن هنا يقدم للطفل عروضاً في "القصة والشعر والحواريات عن التأريخ الإسلامي وقصص الأنبياء والصحابة سواء كانت مسموعة أو مرئية أو مكتوبة مع التركيز على دقة الاختيار وأن تكون مرتبطة بواقعه وتفكيره فيتفاعل بها وتؤثر في شخصيته مع ربطه بالسلوك العملي.
المرحلة الرابعة : وهي ما بين 12 – 18 سنة (مرحلة المراهقة) :
في هذه المرحلة يمتلك الطفل القدرة على فهم اللغة واستخدامها بصورة كبيرة وتبدأ عواطفه في الظهور وينشط خياله ويزداد تعلقه بالمثل وخير للطفل في هذه المرحلة أن يشغل بالأفكار التي تجعله يشعر بإسهامه في تقديم الخبرة لغيره، والبناء في أسرته ومجتمعه، وإسعاد الآخرين وتقديم الواجب وتحمل المسؤولية لأن ذلك يمنع غرقه في المشاعر الخاصة أو الانشغال بالعواطف الجنسية في كلا الجنسين البنين والبنات وعدم تجاهل عواطفهما نحو بعضهما ونحو الجنس وبدلاً من تركهما للخيالات الوهمية أو الأفكار المريضة أو الإصغاء إلى الدعوات الهدامة التي تجرهما نحو الشذوذ فإن الأديب والمربي يستطيعان تربية عواطف الشباب من الجنسين في هذه المرحلة وتصعيد مشاعرهما للسمو عن الانحرافات أو السلوك المشين وتهذيب هذه المشاعر لكي يتصرفا بحكمة وواقعية ومسؤولية.

أنواع أدب الطفل :
أولاً القصة : وهي فن أدبي لغوي يصور حكاية تعبر عن فكرة محددة عبر أحداث في زمان أو أزمنة معينة وشخصيات تتحرك في مكان أو أمكنة وتمثل قيماً مختلفة وهذه الحكاية يرويها كاتب بأسلوب فني خاص وهي من أحب ألوان الأدب للأطفال ومن أقربها إلى نفوسهم وهي عمل فني له قواعد وأصول ومقومات وعناصر فنية وتعتبر من الوسائل الهامة لتدريب الأطفال على السرد والتعبير وهي على أنواع:
1- الرواية : ومنها التسجيلية التي تركز على حادثة تاريخية، والطرفية التي تقدم صورة مهذبة عن العاطفة الإنسانية والبوليسية التي تتحدث عن المغامرات.
2- القصة : وهي تلي الرواية في الحجم ومنها القصة القصيرة ثم الأقصوصة.
3- هناك قصص أخرى للأطفال حسب الموضوع منها :
- قصص الإيهام والخيال، وموضوع هذه القصص يكون من نسيج الخيال مثل كتاب " طواحين الهواء لدون كيشوت".
- قصص الأساطير والخرافات وهذه تختص بالآلهة وأفعالها ومنها حصان طروادة أو الأبطال خارقي القوة مثل : عنترة العبسي وسيف بن ذي يزن وأبو زيد الهلالي.
- قصص الحيوان ويكون الحيوان فيها هو الشخصية الرئيسية مثل كليلة ودمنة وقصص أحمد شوقي الشعرية.
- القصص الشعبية تدور حول الأبطال الذي أثروا التاريخ مثل قصص سلسلة الأبطال.
- قصص البطولات الدينية والوطنية مثل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
- قصص المغامرات وهذه تثير فضول الأطفال وتدفعهم إلى استكشاف ماهو غريب مثل قصص السندباد.
- القصص الفكاهية وهذه من شأنها أن تخفف من التوتر الذي يعيشه الأطفال مثل قصص جحا ونوادره.
- القصص العلمية وقصص المستقبل وتهدف إلى إثارة الإهتمام بالعلم وزيادة الثقافة وتنمي روح الإبداع لدى الأطفال.
- القصص الواقعية وموضوعاتها مستمدة من الواقع اليومي للطفل.
ولابد من حقيقة نستدل بها على أهمية القصة في حياة الإنسان وارتبطت بحياة المسلم عن طريق القرآن الكريم الذي تشير آياته الكريمة إلى الكثير من الأحداث في قصص عن الأمم القديمة وما آلت إليه من عذاب لعصيانها أوامر الله تعالى الذي أبدعها ببيانه وأسلوبه وهو الذي يعلم مدى تأثير هذه القصص في خلقه وجعلها هدفاً لإيمانهم ومعرفتهم وعلمهم وثقافتهم.
ثانياً : الأغاني والأشعار :
للأغاني والأشعار والأناشيد أهمية كبيرة في حياة الصغار والكبار والشعر بما فيه من موسيقى وإيقاع وصور شاعرية تخاطب الوجدان وتثير في النفس أحاسيس الفن والجمال وهو أقرب ألوان الأدب إلى طبيعة الذوق لأثره على انفعال الوجدان وللأطفال في طبيعتهم استعداد فطري للتغني ولهذا فإن نماذج الشعر الجيد تكون ذات شأن كبير في هذا المجال ومن أهميتها :

1- تبعث في النفس البشرية السرور والبهجة.
2- تكشف عن مواهب الأطفال ومواطن الإبداع لديهم مثل الصوت المعبر الجميل وفن الإلقاء وموهبة تأليف الشعر وموهبة التلحين.
3- تعتبر وسيلة من وسائل التعليم بما تحتويه من مضامين أخلاقية ووطنية ودينية واجتماعية.
4- تخلص الطفل من الخجل والانطواء والتردد والانفعالات الضارة.
5- تلهب الروح الوطنية وتثير الحماس في النفس الإنسانية.
6- تسهم في تجويد عملية النطق وتهذيب السمع وحسن الإصغاء والأغاني على أنواع فمن حيث الأداء فهناك الفردية، والجماعية ثم الفردية الجماعية ومن حيث المضمون: فهناك الأغاني الدينية، والوطنية الشعبية، الترفيهية.
أنواع الأشعار :

1- شعر ملحمي عرف منذ العهد اليوناني مثل الإلياذة والأوديسة والشاهنامة وعند العرب: تغريبة بني هلال وسيرة سيف بن ذي يزن.
2- الشعر الغنائي : مثل المديح، والغزل، والهجاء، والوصف، والحماسة.
3- الشعر الدرامي: وهو المسرحي ويحدد تصوير شخصيات المسرحية.
4- الشعر التعليمي : وهو تصوير الحقائق وتحويلها إلى لوحات نابضة بالحياة.

أشكال الشعر عند الأطفال:يتخذ الشعر في طريقه إلى الأطفال أشكالاً شتى فقد يكون على شكل أغنية، أو نشيد، أو أوبريت، أو مسرحية شعرية أو قصة غنائية.
أنواع أخرى من أدب الأطفال :
‌أ- الكتب بمختلف أنواعها : بما في ذلك كتب المناهج الدراسية والكتب التاريخية والعلمية والثقافية.
‌ب- الموضوعات الأدبية : كالمقالات ، والخواطر، والموضوعات الاجتماعية والأمثال ويجب أن تلائم مستوى الطفل.
‌ج- المسرح : وهو على أنواع منها المسرح العام المحترف الذي يؤسس على مستوى المنطقة أو المدينة ويهدف إلى الربح وهناك مسارح عامة تشرف عليها مؤسسات ثقافية ولكن يشترط في مثل هذه المسارح أن يكون فيها ممثلون محترفون. ثم المسرح المدرسي وهو الخاص بمدرسة أو جامعة، أو كلية، أو معهد ويكون جمهورها من الأطفال وأولياء أمورهم ويأتي بعد ذلك مسرح الفصل الذي يكون فيه العرض داخل الفصل الدراسي وتتم فيه مسرحة الدروس بكل أنواعها وأبطاله وجمهوره الطلبة والطالبات وأخيراً مسرح العرائس وهو على نوعين هما الجوانتي ويكون على مسرح دائم وماريوينت وهو مسرح محلي صغير أو متنقل داخل المدرسة. أو أندية الأطفال ويحقق المسرح للطفل أهداف سلوكية وتعليمية وثقافية.
‌د- وسائل الإعلام المختلفة : كالإذاعة والتلفاز والتسجيلات المختلفة والفيديو والكمبيوتر والانترنت
وسائل تشجيع أدب الأطفال :
الأسرة : وهي التي يقع عليها العبء في بناء شخصية الطفل وتربيته التربية الإسلامية الصحيحة، حيث أنها تنفرد بهذا العبء فترة من الزمن قبل أن تشاركها في هذا الدور رياض الأطفال أو المدارس أو وسائل الإعلام وقبل أن يتعلم الطفل القراءة والكتابة يستمع من أسرته إلى كثير من القصص والأغاني والأناشيد التي تترك أثرها الملموس في بناء شخصيته سلباً أو إيجاباً ويمكن أن يصنف دور الأسرة إلى مرحلتين.
1- مرحلة ما قبل الدراسة: حيث يكتسب الطفل من أسرته كل الخبرات الأولية وهذا الاكتساب يعمل على بناء شخصيته وما يكتسبه الطفل من عادات واتجاهات يصعب تغييره أو تعديله ومن هنا فإن الأسرة عليها الحرص في تقديم القصص والأغاني والأناشيد ذات الدور الإيجابي والبعد عن قصص العنف والوحشية والتعصب ثم أن الأسرة نفسها يفترض أن تكون مؤهلة لتربية الطفل فلا تكون هي المصدر الأول للعنف المسلط على الطفل إذا نلاحظ هذه الأيام ضحايا من الأطفال نتيجة للعنف الأسري والإرهاب الأبوي من الأبويين اللذين هما الأداة المنفذة لصبه على الطفل.
2) مرحلة ما بعد المدرسة :وهي المرحلة التي أصبح فيها الطفل متقناً للقراءة والكتابة وتقوم الأسرة بترويضه على التكيف الاجتماعي مع البيئة الجديدة وتعمل على غرس حب القراءة والاطلاع لدى الأطفال وأن توفر لهم الكتب التي تثير اهتمامهم وأضيف على ذلك توفير الكمبيوتر وتدريب الأطفال عليه وعلى الانترنت ودخول المواقع الخاصة بثقافة الطفل وحماية المراهقين والمراهقات من الوقوع تحت سطوة المواقع الإباحية والأفلام الخليعة والبرامج الماجنة.
2) المدرسة : علاوة على كونها صاحبة دور أساسي في تنشئة الأطفال وتربيتهم وتعليمهم وتأديبهم إلا أنها تعمل على تأصيل الأدب لدى الأطفال باكتشاف مواهبهم وتوجيهها وتحفيز دوافع الإبداع والإبتكار عن طريق التشجيع على اللغة العربية ونصوصها استماعاً واطلاعاً وقراءة، وأن تكون الكتب المدرسية تحتوي على أسلوب جميل يحبه الطفل ويستفيد منه، ثم أن المسابقات الأدبية والمهرجانات والإذاعة المدرسية والصحافة الجدارية، اليومية والأسبوعية والشهرية وقيام الأطفال بتحريرها، كلها وسائل قوية لتشجيع الطفل على الأدب.
3) الإذاعة والتليفزيون : عن طريق البرامج والأفلام والألغاز والقصص التي تقدمها.
4) المكتبات العامة : وتعويد الأطفال على ارتيادها وقيام المكتبات بتطوير برامجها في غير إعارة الكتب.
5- السينما والمسرح : عن طريق مشاهدة الأفلام الدينية والتاريخية وقيام المسرح بعرض المواقف الثابتة.
6) المساجد : في الدرجة الأولى من وسائل التشجيع بصفتها مدارس أولية في بناء المجتمع.
7) الكمبيوتر والانترنت : والتدريب عليهما والوقاية من مخاطر الانترنت الأخلاقية .
أدب الأطفال لذوي الاحتياجات الخاصة :

أدب الأطفال لذوي الاحتياجات الخاصة، أو المعاقين، أدب له خصائص متميزة بالنظرة إلى نوع الإعاقة وبالنظر إلى تأهيل هؤلاء الأطفال المعاقين ليتلقوا تعليمهم تماماً مثل قرنائهم العاديين عن طريق برامج خاصة لتأهيلهم وتدريبهم ودمجهم بالمجتمع أما وسائل أدب أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة فهي نفس وسائل تعليمهم التي تدربوا عليها على أيدي المعلمين والمعلمات والذين بإمكانهم نقل أدب الأطفال العاديين إليهم بوسائلهم وطرقهم الخاصة وإذا ما رجعنا إلى التأريخ العربي أو العالمي لوجدنا نماذج رائعة لهذه الفئة نذكر منهم بتهوفن الذي كان مصاباً بالصمم وخلد للإنسانية روائع موسيقية هائلة ومذهلة، ومن العرب شعراء وعلماء خلدوا ذكراهم بروائعهم الأدبية الشعرية والنثرية أمثال بشار بن برد والحصري القيرواني وأبو العلاء المعري وغيرهم كثير.
المصادر:

د/ محمد صالح الشنطي : في أدب الأطفال أسسه وتطوره وفنونه وقضاياه ونماذج
د/ نجيب الكيلاني : أدب الأطفال في ضوء الإسلام

محمد حسن بريغش : أدب الأطفال أهدافه وسماته